مادة الفلسفة
الفئة المستهدفة: 2 بكالوريا «الشعبة الأدبية "
مجزوءة: الوضع البشري
تأطير إشكالي للمحور:
لعل المتأمل في الأحداث التاريخية: (الحروب، الثورات،
الاكتشافات العلمية...)، سيلاحظ ولا شك أن هذه الأحداث التاريخية تثير مجموعة من
التساؤلات:
هل هذه الأحداث ناتجة عن الصدفة؟ أم أنها خاضعة لمنطق
وقوانين وحتميات؟
للإجابة عن هذه التساؤلات نستحضر مجموعة من التصورات
والمواقف الفلسفية:
التصور المثالي الجدلي: أطروحة فردريك
هيجل (1770-1831): التاريخ يسير بشكل تقدمي نحو غاية مطلقة
لا يمكن الحديث عن مفهوم التقدم في تاريخ الفلسفة دون
استحضار تصور هيجل المثالي حيث يرى أن التاريخ لا يسير سيرا عشوائيا بل هو يسير
سيرا تقدميا نحو تحقيق الفكرة المطلقة في الزمان – كقوة روحية لامتناهية- كما
تحققها الطبيعة في المكان. فكل أحداث التاريخ معقولة وكل حقبة تاريخية ضرورية في
المسار الديالكتيكي (الجدلي) للفكرة المطلقة في سعيها نحو التحقق التدريجي في هذا
العالم. وقد شبه التاريخ بكرة ثلج متدرجة تتراكم وتحتوي السابق في سيرها المتناهي
نحو تحقيق اكتمالها، كل حقبة تاريخية هي ضرورية وحتمية في مسار تحقيق هذا الكمال.
فالتقدم والحتمية حسب هيجل خاصيتان مميزتان لأحداث التاريخ.
التصور المادي الجدلي: أطروحة كارل ماركس:
التاريخ يتقدم نحو تحقيق المجتمع الشيوعي
يؤكد كارل ماركس على أن التاريخ البشري يسير وفق منطق
جدلي، إنه صيرورة محكومة بقوانين جدلية وعلى رأسها قانون التناقض والصراع الطبقي
بين (قوى الإنتاج = العمال) و (علاقات الإنتاج = أصحاب المصانع)، كمحرك فعلي
للتاريخ الذي يسير في خط مستقيم وحتمي أساس التعاقب الجدلي بين أنماط الإنتاج التي
تنتهي بقيام الشيوعية حيث تختفي التناقضات وتعيش الإنسانية بدون ملكية وبدون
استغلال طبقي.
التصور البنيوي: أطروحة كلود ليفي ستروس
لا يرفض كلود ليفي ستروس فكرة التقدم في التاريخ لكنه يرى أن التقدم لا يسير بشكل منتظم ومتصل بل إن أحداث التاريخ هي عبارة عن قفزات وطفرات في اتجاهات متعددة. فالتاريخ لا يسير سيرا تقدميا تصاعديا بل هو حركة مبنية على القطائع والانفصالات بالإضافة إلى أن كل تاريخ أي مجتمع ما يتقدم وفق خصوصياته، فتاريخ الإنسانية حسب ستروس لا يشبه الفرد الذي يصعد سلما فيخطو خطوات في اتجاه مسار واحد بل يشبه لاعب النرد الذي يرمي بالمكعب رميات متعددة فيحصل على حسابات مختلفة غير متوقعة. يقول ستروس: " ليس هناك نظام علمي للتقدم، ولا أعتقد أن هناك اتجاها للتاريخ."
الموقف الفينومينولوجي: أطروحة ميرلوبونتي
يؤكد ميرلوبونتي على جدلية الضرورة والصدفة في مجرى
التقدم التاريخي، إذ يعتبر أننا سنكون مخطئين إذا قلنا بالضرورة المطلقة أو
بالصدفة المطلقة وأنه إذا تبين لنا بالفعل أن التاريخ يتقدم وفق منطق محدد وخاضع
للضرورة فإن هذا لا يعني أن الصدفة والعرضية لا تلعب دورا في التاريخ. فتاريخ
الإنسان هو أيضا ما يفاجئ ويكون غير متوقع.
تركيب:
من خلال ما سبق يتبين لنا أن إشكالية التقدم في
التاريخ، قد أفرزت تصورين متعارضين: الأول يؤكد على اتصال كل أحداث التاريخ
واتجاهها نحو غاية مطلقة وفق منطق تعاقبي وحتمي، وهو الموقف الجدلي.
وتصور يؤكد على دور الصدفة والعرضية في رسم التاريخ الإنساني، وهو ما يؤكد
عليه الاتجاه الفينومينولوجي والأنثروبولوجي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire