" أرى أن أي إنسان مقتنع
بحيازته لحرية الاختيار أو حرية الإرادة، يتميز بإحساس أعظم بالمسؤولية يفوق الشخص
الذي يعتقد أن الحتمية الشاملة تسود العالم وتتحكم في حياة البشر. وتعني الحتمية
أن تيار التاريخ، وما يحمله من شتى مظاهر الاختيارات والأفعال الإنسانية، تحدد
مساره مسبقا تحديدا كاملا منذ بداية الزمن.
إن من يعتقد أن كل ما هو كائن قد تحددت له
كينونة ما، بمقدوره أن يحاول التنصل من المسؤولية الأخلاقية المترتبة عن ارتكاب
الفعل الخاطئ، كالزعم بأنه كان مجبرا على فعل ما فعله، لأن هذا الفعل كان مقدرا
تبعا للقوانين الصارمة التي تربط السبب بالنتيجة.
أما إذا الاختيار الحر موجودا حقا في لحظة
الاختيار، فلا يخفى أنه في هذه الحالة، سيتمتع الناس بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة
لاتخاذ القرار والاختيار بين بديلين أو أكثر
من البدائل الحقيقية. وبذلك لا يكون لحجة الحتمية أي وزن."
مطلب الفهم: 4ن
الوضع البشري هو مجموع الحدود
القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان داخل العالم. هذا الوضع المركب الذي تتداخل
فيه عدة أبعاد أهمها البعد الفردي الذي يحيل على مفهوم الشخص، ويعني
الذات كل ذات عاقلة وواعية وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها .والنص الماثل أمامنا ينتمي
إلى هذا المجال الإشكالي، ويعالج الشخص بين الحرية والضرورة، وهي إشكالية
فلسفية استرعت اهتمام الكثير من الفلاسفة .ويمكن بسط إشكاله على الشكل التالي: هل
الشخص حر أم خاضع للضرورة؟ هل سلوك الشخص ناتج عن إرادة حرة وواعية أم أنه نتاج
إملاءات الضرورات والحتميات ؟وكيف يساعد القول بالحرية المطلقة للإنسان على القدرة
على تحمل المسؤولية الأخلاقية؟ وهل الحرية تتأسس بشكل مجرد أي أنها مفصول عن كل
سياق اجتماعي وتاريخي؟ أم أنها رهينة ذلك؟
مطلب التحليل : 5
بتسليطنا الضوء على النص، يظهر أنه يعرض أطروحة مفادها: أن الشخص يتمتع
بالحرية المطلقة وليس خاضعا للحتميات والضرورات، ويؤكد عل أن القول بالحرية يجعل الشخص
يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن كل أفعاله عكس الشخص الذي يؤمن بالحتمية.
وترتبط أطروحة النص بمجموعة من المفاهيم الرئيسية التي
تشكل بنيان النص المفاهيمي والدلالي ومن بينها:
مفهوم الحرية: تصرف الذات بدون أي قيد داخلي كان أو خارجي
مفهوم الحتمية: هو الإيمان بأن كل حوادث ومجريات التاريخ لا
يمكن التحكم فيها، ولا قدرة للإنسان على التحكم فيها.
مفهوم المسؤولية الأخلاقية: هو قدرة الشخص على تحمل كل العواقب الناتجة
عن سلوكه سلبية كانت أو ايجابية.
إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي التي تنسج أطروحة النص، والتي ترتبط فيما بينها بشكل
عضوي ووطيد بحيث أن الشخص المؤمن
بالحرية تكون له المسؤولية الأخلاقية على أفعاله أكثر من المؤمن بالحتمية الذي
يعتبر ان أفعاله ناتجة عن عوامل تتجاوز إرادته الحرة وبالتالي لا يستطيع تحمل
مسؤولية أفعاله. إذن فالعلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي علاقة تضاد.( الحرية/الحتمية، تحمل المسؤولية الأخلاقية/التنصل من
المسؤولية).
إن الخطاب الفلسفي خطاب حجاجي بامتياز لذلك فقد وظف صاحب
النص مجموعة من الأساليب الحجاجية قصد جعل أطروحته أكثر صوابية ومثانة. إذن كيف
يدافع صاحب النص عن أطروحته، وكيف يعمل على نفي الأطروحة المعارضة؟
العنصر الحجاجي الأول تمثل في:
حجة التعريف
(حيث يعرف مفهوم الحتمية) ويدل عليه في النص " وتعني الحتمية أن..."
حجة المثال: إعطاء مثال الشخص الذي يعتقد بالحرية "
إن من يعتقد"
حجة المقارنة: المقارنة بين الشخص الذي يؤمن بالحرية
والشخص الذي يؤمن بالحتمية "أرى أن أي إنسان...يفوق الشخص الذي يعتقد أن
الحتمية الشاملة تسود العالم"
حجة النفي: نفي الفكرة القائلة بأن الإنسان خاضع للحتمية
من خلال قوله " لايكون لحجة الحتمية أي وزن"
مطلب المناقشة:5ن
لقد استطاع صاحب
من خلال توظيفه لعدة مفاهيم أساسية ( الحرية، الحتمية، المسؤولية الأخلاقية)، وكذا
استعانته بعدة أساليب حجاجية ( النفي، المثال، التأكيد..) أن يبلور أطروحة فلسفية مقنعة
أكدت على أن الإنسان يتمتع بحرية مطلقة تمكنه من تحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه
أفعاله أكثر من الشخص الذي يؤمن بالحتمية.
لكن رغم ذلك يمكن التساؤل إلى أي حد يمكن القبول بهذا
الموقف كحل وكجواب عن الإشكال المطروح. هل يمكن التسليم بحرية مجردة مفصولة عن
شروط التاريخ والمجتمع؟ وهل الشخص ذات لاتحدها أي ضرورة؟
وبما أن مجال الفلسفة هو مجال صراع الأفكار واختلاف
المواقف فمن الطبيعي أن نجد من يذهب إلى عكس ما ذهب إليه صاحب النص، وفي هذا الصدد نجد
الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي الذي يتنطلق من تبيان مفهوم الإنسان الذي يتحقق في نظره من خلال عملية
التحرر من وضعية الكائن إلى الشخص، فهو يعتبر أن الإنسان كائن وشخص، كائن يخضع
لضرورات، أي لشروط بيولوجية واجتماعية وتاريخية، وشخص يمارس حريات. لكن هذه الحرية
تكون مشروطة بالوضع المجتمعي، بمعنى أنها ليست مطلقة وليست ذاتية، بل تتحقق حينما
ينفتح الشخص ويتجه صوب الآخرين ومنه يستطيع، شخص له نواياه أي مقاصده التي تجعل
أفعاله أفعالا قصدية وليست آلية، تسمح له بتفهم الوضع الذي يعيش فيه وتمكنه
من اختيار الوسائل الملائمة لتجديد بناء ذاته، وهذه القصدية الواعية هي التي تضفي
طابع الحرية على الفعل الإنساني.
إن الشخص
إذن كائن حر في ظل شروط يتفاعل معها، الأمر الذي يجعل الحرية فعلا وليس صفة، فعلا
يتشخصن به ويحقق به كماله العقلي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي. وبقدر ما أن الشخص
حر ويسعى إلى تحقيق ذاته بحسب ما يريده في المستقبل، فهو أيضا ملزم أمام نفسه
وأمام المجتمع، بأن له قضايا إنسانية واجتماعية يضع نفسه في خدمتها.
هكذا
فالحرية حسب عزيز لحبابي، ليست مجرد حرية نظرية ذاتية، بل إنها حرية مجتمعية
وتاريخية، إنها حرية ملتزمة بقضايا المجتمع . والشخص الحر في ظروفه هو
الشخص القادر على تحويل الظروف من عوامل تتحكم فيه وتوجهه، إلى إمكانات يتحكم فيها
وبها لبناء ذاته وتجديد شروط حياته.
كما أن هناك في المقابل مواقف تؤكد على غياب التام
للحرية الإنسانية كما يؤكد ذلك الفيلسوف باروخ اسبينوزا الذي يدحض التصور العام الذي يعتقد أن الإنسان ذات حرة لمجرد قدرته على
التفكير و المعرفة و الوعي يقول اسبينوزا "....تلك هي الحرية الإنسانية
التي يتبجح الكل بامتلاكها و التي تقوم فقط في واقعة أن للناس وعي بشهواتهم و
يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا ".
ويرى أن الشعور الحدسي للإنسان بأنه قادر على الاختيار هو شعور واهم ،و ما يجعله يعتقد أنه حر هو جهله بالأسباب المتحكمة في الاختيار بالفعل .
ويرى أن الشعور الحدسي للإنسان بأنه قادر على الاختيار هو شعور واهم ،و ما يجعله يعتقد أنه حر هو جهله بالأسباب المتحكمة في الاختيار بالفعل .
مطلب التركيب:3ن
من خلال تحليلنا ومناقشة للنص الماثل أمامنا
نخلص إلى أن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية من بين أهم إشكالات الفلسفة التي
حظيت باهتمام يراع (قلم) الفلاسفة والمفكرين، وقد أفرزت لنا مجموعة من المواقف
المتعارضة، فمن جهة يؤكد النص على حرية الإنسان المطلقة التي تمنحه بالتالي شعورا
بالمسؤولية الأخلاقية عكس من يؤمن بالحتمية الشاملة، لكن من جهة أخرى هناك مواقف
أخرى تؤكد على عكس ذلك كمايؤكد مثلا
اسبينوزا الذي ينفي المحرية عن الشخص ويرتبط الشعور بها بالجهل الذي يصاحب الإنسان
عن علل و أسباب أفعاله الحقيقة أما محمد الحبابي فهو يتفق مع الحرية لكن ليس
الحرية الذاتية والمجردة لكن الحرية المشروطة بظروف التاريخ والمجتمع. أما من وجهة
نظري فإنني أرى أن الإنسان تحده محكوم
بمجموعة من الحتميات ( طبيعية، ثقافية، بيولوجية...) لكن وعي الانسان بهذه
المحددات والشروط هي ما يمنحه حريته.بناء على ماسبق يمكن أن أتساءل في الأخير:هل
الغير يحد من حريتنا؟/
الجوانب الشكلية 3ن
( تماسك
العرض1ن+سلامة اللغة 1ن+وضوح الخط1ن)
شكرا لقد استفدت كتيرة
RépondreSupprimerشكرا جزيلا
Supprimerبالتوفيق لك !
RépondreSupprimerلدي ملاحظة بخصوص المفاهيم لا يجب أن نذكر المفاهيم بتلك الطريقة يبدوا و كأنك تستظهر ما حفظته
RépondreSupprimerMerci beaucoup Pour ce merveilleux texte comme toi je l'ai adoré et je t'ai aimé haha
RépondreSupprimerMerci!
Supprimerمادرتيش المفارقة
RépondreSupprimerسلام عليكم من فضلكم مامصدر النص ؟
RépondreSupprimer