الفئة المستهدفة: أولى بكالوريا جميع الشعب
إشكالية المحور: كيف يمارس المجتمع سلطته ؟ هل بالقهر والاستباد؟ أم بالاختيار والحرية؟
تحليل منهجي لنص ألكسيس دوطوكفيل:
أولا: مطلب الفهم
تمهيد: تأطير النص ضمن المجزوءة، والمفهوم
والمحور
طرح الإشكالية:
انطلاقا
من المفاهيم المتضمنة في هذا النص الفلسفي قيد الاشتغال (المجتمعات الحديثة،
الجماعة، المواطن...) يتضح لنا أنه يتموضع داخل مجال مجزوءة الإنسان، والذي يقصد
به الكائن العاقل والقادر على التمييز بين الخير والشر، وهو كائن متعدد الأبعاد (وعي،
رغبة، مجتمع...) وهو من القضايا الكبرى في تاريخ الفلسفة منذ ظهورها في اليونان،
فهو حيوان سياسي عند أرسطو، ومقياس كل شيء عند السفسطائيين، وكائن مفكر عند ديكارت
وحيوان ميتافزيقي عند شوبنهور ...الخ. ويتأطر النص تحديدا ضمن مفهوم المجتمع: وهو
" تجمع للناس في إطار علاقات متبادلة وقيم ومعايير اجتماعية، تنظمهم مؤسسات
ويتقاسمون هوية ثقافية مشتركة ويتبادلون مصالح مشتركة."، وبالتمعن في النص
الماثل أمامنا نجده يسلط الضوء على إشكالية سلطة المجتمع وبذلك فهو يفضي الى
مفارقة واضحة تتمثل في أن الإنسان يعيش داخل المجتمع لتلبية حاجاته والحصول على
حريته، لكن بالمقابل نجد المجتمع يفرض سلطته على الفرد وأحيانا تتحول هذه السلطة
إلى قهر واستبداد. إذن استنادا إلى هذه المفارقة الفلسفية يمكننا طرح مجموعة من
الاشكالات من قبيل: كيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟ هل يمارسها بالقهر
والاستبداد؟ أم يمارسها بالحرية والاختيار؟
ثانيا : مطلب التحليل
أطروحة النص
أفكار النص
مفاهيم النص
حجاج النص
يؤكد
صاحب النص على أطروحة فلسفية مفادها أن المجتمع يمارس سلطته على الأفراد بطريقة
جبارة وقهرية ومطلقة، ويحول المواطنين إلى كائنات معزولة بدون إحساس بالغير،
كائنات لا تعيش قضاياها ومصيرها المشترك. وفي ذلك.
وينطلق النص في فقرته الأولى من التأكيد على
أنه لا يستطيع حتى تعريف الاستبداد الجديد الذي تعاني منه المجتمعات الحديثة، لأن
هذا الضيق يتجاوز الاستبداد والاضطهاد الذي كان سائدا في الماضي بأضعاف.
وفي
الفقرة الثانية يؤكد على أن المجتمعات الحديثة حولت الأفراد إل مجرد حشود هائلة،
لا تفكر إلا في تحقيق حاجاتها الأنانية في إطاره مجاله الخاص وهو العائلة،
وبالتالي تفكك الروابط بين الأفراد لصالح المجتمع الذي حولهم إلى كائنات منعزلة
وأنانية.
ويختم دوطوكفيل نصه بوجود سلطة هائلة وجبارة
ومطلقة هي التي تسير الأفراد، ويقصد بها سلطة الدولة والمجتمع على حد سواء، تشبه
السلطة الأبوية، وظيفتها جعل الأفراد في حالة "قصور" أي أن لا يفكروا
إلا في متعتهم الخاصة، لكن هذه السلطة عاجزة رغم كل ذلك عن إزالة قلق التفكير
وشقاء العيش عن هؤلاء الأفراد.
يوظف
صاحب النص مجموعة من المفاهيم الفلسفية من أجل بناء نصه، وهمها:
مفهوم
المجتمع الحديث: لا يتوفر صاحب النص على تعريف دقيق له، لكنه يصفه بأنه عبارة عن
حشود هائلة من البشر منغمسة في لذاتها الخاصة ولا تربط بينها أي رابطة، وتقوم
عليها سلطة جبارة تضمن إبعاد الفرد عن الاهتمام بوضعه الوجودي لصالح الانغماس
الكلي في الاستمتاع والمصلحة الأنانية.
السلطة: هي قوة جبارة ومطلقة ولينة هدفها ضمان
أمن المجتمع، وتثبيت الأفراد في حالة قصور وعدم تفكير.
الاستبداد: هو المبالغة في القسوة واستعمال القوة
والعنف ماديا كان أو رمزيا من أجل إخضاع الأفراد.
العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة
تكامل لأن المجتمع الحديث يمارس سلطته بشكل استبدادي على الأفراد ويصرفهم في
التفكير عن قضاياهم الحقيقة ويركزون على مصالحهم الخاصة مفصولين عن باق الأفراد.
إن
التفكير الفلسفي هو تفكير استدلالي وحجاجي بالأساس لذلك فالنص الماثل أمامنا يوظف
مجموعة من الحجج للدفاع عن دعواه أهمها:
حجة التفسير: وتتجلى هذه الحجة في تفسير النص
لآليات سلطة المجتمع على الأفراد، من خلال قوله "كل واحد منهم ...أما.....
وإن كان لا يزال..."
حجة الإثبات والتأكيد: من خلال
تأكيد النص على سلطة المجتمع الحديث على الأفراد من خلال قول صاحب النص: "
أعتقد أن نوع الضيق..." وقوله:" أريد أن أتخيل...".
حجة النفي: من خلال نفي النص لإحساس لمجتمع
بالفرد من خلال قوله: " لا يراهم...لا يحس بهم...لا يوجد إلا لذاته."
ثالثا: مطلب المناقشة
مناقشة داخلية: قيمة النص
مناقشة خارجية: مواقف مؤيدة أو معارضة
نستنتج
من خلال ما سبق أن المجتمع الحديث يمارس سلطة هائلة على الأفراد ولا يترك لهم
الفرصة لبروز فرديتهم، وبالتالي فالنص استطاع أن يدافع عن هذه الفكرة بشكل قوي من
الناحية البنائية والحجاجية والاستدلالية في النص. أما من الناحية الفلسفية، فالنص
نموذج للتصور الليبرالي للمجتمع خلال القرن 19م وهي المرحلة التي تخلصت فيها الدول
الغربية من الاستبداد السياسي والديني الذي كان قائما، ومن ثمة فالنص له قيمة
تاريخية وفلسفية. لكن رغم ذلك ومادام التفكير الفلسفي تفكيرا جدليا ومفتوحا يمكن
إغناء النقاش حول إشكالية سلطة المجتمع من خلال استحضار مجموعة من المواقف
الفلسفية الأخرى، ففي نفس اتجاه صاحب النص نجد:
أطروحة سيجموند فرويد: الذي يؤكد
على أن المجتمع يمارس قهرا خارجيا على الفرد، من خلال عملية التنشئة الاجتماعية
والثقافية، وذلك من أجل قمع دوافعه الغريزة، وخلق سلوكات جيدة وخيرة لديه، وهي
العملية التي تتم عبر الصراع النفسي بين مكونات الجهاز النفسي للإنسان الذي يتضمن:
الجانب
الغريزي: الهو والجانب الواقعي: الأنا، والجانب الأخلاقي: الأنا الأعلى. فمبدأ
الهو: هو تحقيق إشباع اللذة الجنسية " الليبيدو" بعيدا عن متطلبات
المجتمع، لكن هذا الأخير يقوم بقمع تلك الغرائز عبر آلية الأنا الأعلى كي تتناسب
مع المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. لكن المجتمع من خلال هذه العملية
القمعية، يجر الكائن على الاغتراب، ومن ثمة ظهور تشوهات في شخصيته.
أما
من ناحية أخرى فنجد التصور الأنثروبولوجي لرالف لنتون
1893_1953م الذي يؤكد على أن المجتمع يعمل على تلبية الحاجات
الاجتماعية للفرد ، المأكل الملبس ...الخ، وهي حاجات يتم خلقها من طرف التفاعل مع
الغير ولكن تلبية هذه الحاجات ليست إلا مجرد "طُعْمٌ" يقدمه المجتمع ل
"اصطياد" الفرد"، بمعنى أن الفرد يحقق حاجاته بطواعية وبدون إكراه،
لكن في نفس الوقت يستدمج المعايير والقيم الاجتماعية أو ما يسميه لنتون ب"
النماذج الثقافية للمجتمع"، ويعطينا مثال الأكل: وهو حاجة بيولوجية لدى
الطفل، لكن في اللحظة التي يتم فيها تلبي هذه الحاجة، فإن الطفل يتعلم أنماط
السلوك المقبولة في المجتمع ، وبالتالي تترسخ سلطة المجتمع الثقافية في الفرد
بطريقة غير مباشرة.
والفرق
بين هذا التصور والتصور الليبرالي لطوكفيل، هو أن سلطة المجتمع، عند لنتون تكون
بطريقة طوعية وغير مباشرة، في حين أن سلطة المجتمع لدى طوكفيل تمارس بالقهر
والاستبداد.
رابعا: مطلب التركيب
خلاصة التحليل والمناقشة
الرأي الشخصي
سؤال تركيبي مفتوح
من
خلال ما سبق يتبين لنا أن إشكالية سلطة المجتمع، د أفرزت مجموعة م التصورات
الفلسفية، فمن جهة يؤكد طوكفيل و فرويد على السلطة القهرية المباشرة للمجتمع على
الفرد، ومن جهة أخرى يذهب لنتون إلى سلطة غير مباشرة تمارس على الأفراد بمحض
اختيارهم. ومقابل كل هذه التصورات يمكن الخروج بفكرة، مفادها أن الإنسان كائن
اجتماعي يحتاج إلى الجماعة لتحقيق حاجاته، لكن هذه الأخيرة تمارس سلطته على الفرد،
لذلك فسلطة المجتمع ضرورية لقيام مجتمع متماسك، لكن هذا لا يعني قتل فردية الإنسان
وحريته وعدم ترك الفرصة له للتعبير عن ذاته الخاصة، لذلك، يمكن القول بأن المجتمع
الديموقراطي الذي يدعو إليه طوكفيل هو الذي يمنح هذه الحرية للفرد. وهو التصور
الذي ينسجم مع موقفي من القضية، ما دمت في مجتمع لم يستطع بعد التخلص من نماذجه
الثقافية التقليدية، ليصبح مجتمعا حديثا، يبرز فيه الفرد الحر، وفي نفس الوقت
يمارس حريته في ظل قوانين وقواعد ومعايير يحتكم إليها الجميع. لذلك نتساءل في
الأخير: إن كان المجتمع الذي وصفه الفلاسفة ناقشنا أطروحاتهم هو مجتمع القرن
التاسع عشر والقرن العشرين، فما هو مصير الفرد في ظل
مجتمع التقنية والعلم في القرن الواحد والعشرين؟
lyerhm li rbaaak
RépondreSupprimer