" ما الوعي؟ إنكم تتصورون بالتأكيد أنني لن أعرف شيئا على قدر
كبير من التعين، ومن الحضور الدائم في تجربة كل واحد منا. لكن، دون أن أسند إلى
الوعي تعريفا يكون أقل وضوحا من الوعي نفسه، يمكنني أن أميزه بسمته الأكثر بروزا:
يعني الوعي أولا الذاكرة. ويمكن للذاكرة أن تفتقد اتساعها، قد لا تشمل إلا جزءا
ضئيلا من الماضي ويمكن ألا تحتفظ إلا بما يحدث للتو. لكن الذاكرة حاضرة في هذه
الحالة وتلك: دون هذا لن يوجد وعي. إن وعيا لا يحتفظ بشيء من ماضيه ولا ينفك ينسى
نفسه سيتلاشى وسينبعث في كل لحظة (....) كل وعي هو إذن ذاكرة بمعنى احتفاظ بالماضي
وتراكم له في الحاضر. ولكن كل وعي هو استباق للمستقبل. انتبهوا إلى الاتجاه الذي
يتخذه فكركم في أية لحظة: ستجدون أنه يهتم بما هو كائن، ولكن من جهة ما سيكون على
وجه الخصوص. الانتباه انتظار، ولا وجود لوعي دون ضرب من الانتباه إلى الحياة.
فالمستقبل ماثل هناك أمامنا يدعونا أو بالأحرى يجذبنا إليه: هذا الانجذاب غير
المنقطع الذي يجعلنا نتقدم على درب الزمن هو أيضا ما يجعلنا نعمل باستمرار. فكل
فعل هو انفتاح على المستقبل. "
Henri
Bergson : L’Energie spirituelle. Alcan P 5.
أولا: مطلب الفهم 2ن
1.قم بتأطير النص ضمن سياقه
الفلسفي العام المجزوءة : 2ن
مجزوءة الإنسان
وسياقه الخاص المفهوم:
مفهوم الوعي
والمحور: الإدراك الحسي
والشعور
2.استخرج إشكالية النص: ماهو الوعي؟
وما علاقة الوعي بالذاكرة؟
ثانيا: مطلب التحليل 6ن
1. قم بصياغة أطروحة النص بأسلوبك الخاص؟
2ن
الوعي مرتبط بالذاكرة، فهي التي تحافظ على الوعي في الماضي وتحافظ
على تراكمه في الحاضر وأخيرا على الانتباه إلى المستقبل والحياة عموما.
2.كيف يعرف صاحب النص مفهوم الذاكرة؟
2ن
الذاكرة هي حضور الوعي في الحاضر والماضي.
الأساليب الحجاجية: 2ن
الحجة
الفكرة المرتبطة بها
المؤشر عليها من
النص
الاستفهام
حيث يتساءل صاحب
النص عن معنى الوعي
" ما الوعي
؟"
التعريف
حيث يعرف الوعي
" يعني
الوعي أولا الذاكرة"
ثالثا: مطلب المناقشة:5ن
من خلال ما درسته قدم
أطروحة فلسفية أو أكثر تؤيد أو تعارض أطروحة النص:
أطروحة رونيهديكارت: عكس أطروحة برغسون
يربط الفيلسوف الفرنسي ديكارت الوعي بالإدراك العقلي، حيث أن وحدة الأنا وحضورها
أمام نفسها، مرتبط بالإدراك العقلي الخالص. يقول ديكارت: " أنا افكر إذن أنا
موجود."
أطروحة دافيد هيوم: يؤكد الفيلسوف الإنجليزي هيوم
أن الوعي عبارة عن إدراك حسي، أي أن الإنسان من خلال تجاربه الحسية في علاقته
بالعالم يكتسب وعيه. فالعقل صفحة بيضاء نملأها بالتجارب الحسية.
أطروحة شونجو: الوعي مرتبط بعمل الجهاز العصبي
للإنسان في الدماغ.
رابعا: مطلب التركيب: 6ن
1. قم بتركيب أهم عناصر التحليل والمناقشة في فقرة موجزة 2ن
من خلال ما سبق يتبين لنا أن إشكالية الوعي أفرزت عدة مواقف/ فصاحب
النص يؤكد على أن الوعي مرتبط بالذاكرة، بينما يرتبط حسب الاتجاه العقلاني بالعقل,
أما الاتجاه التجريبي فيربطه بالحواس.
2.قدم
موقفك الشخصي من النص في فقرة موجزة، مبرزا دور الوعي في تشكيل هوية الإنسان معللا
جوابك من مكتسباتك وتجربتك الشخصية: 4ن
من خلال ما سبق يتبين لي ان لكل موقف فلسفي ما يبرره من الناحية
الفكرية والتاريخية، ويمكننا القول أن مسألة الوعي مركبة ولا يمكن ربطها بجانب دون
آخر فالكل الجوانب العقلية والحسية والعصبية هي التي تشكل الكائن الإنساني المتميز
بتعدد أبعاده.
تعريف:السؤال
الإشكالي المفتوح تساؤل فلسفي يتضمن مفارقة واحدة، ويحيل على موقفين فلسفيين أو
علميين مختلفين على الأقل. يتميز السؤال الإشكالي عن السؤال العادي أو المعرفي ب:
الإحالة
المباشرة أو غير المباشرة على أكثر من موقف فلسفي أو علمي.
تضمنه
لمفارقة أو أكثر (هذا مع العلم أن الصيغة التي يطرح بها قد تكون متضمنة للمفارقة،
كما يمكن حذف أحد طرفيها، إلا أنه أثناء الإجابة يجب استحضارها.
كيف أجيب عن السؤال الإشكالي المفتوح؟
ملاحظة:
السؤال الإشكالي: هو الاختيار الأول من ضمن الاختيارات الثلاثة التي يأتي بها
الامتحان.
يحيل
السؤال، بشكل مباشر أو غير مباشر، على موقف فلسفي أو علمي من المواقف المكونة
للمقرر.
يأتي
السؤال منفرد دون أن يرفق بشيء آخر، فهو في حد ذاته سؤال يحتاج إلى جواب (التحليل
والمناقشة)
على
مستوى المعالجة، يتم تتبع نفس خطوات تحليل النص والقولة، مع وجود بعض الاختلافات.
أثناء
معالجة السؤال، يجبجنب العبارات: نعم،
لا، فهذه صيغ تقريرها يرفضها السؤال.
من
أجل تحليل السؤال الإشكالي المفتوح نقوم باتباع الخطوات التالية:
أولا: مطلب الفهم
نقوم
فيه ب:
1.تمهيد مناسب للسؤال: تأطير عام له، يتم الأخذ فيه
بعين الاعتبار موضوعه ومجال انتمائه (المجزوءة والمفهوم)
2. توسيع السؤال الإشكالي: اعتباره السؤال الأصل،
ثم محاولة صياغة أسئلة فرعية انطلاقا منه، وذلك لغرض تحديد الإشكالية الواردة فيه.
(تحديد أبعاد السؤال الأصلي)
ثانيا: مطلب التحليل
1.شرح المفاهيم والمفردات المكونة للسؤال، مع تبيان
العلاقات الموجودة بينها.
2.تحديد الأطروحة أو الأطروحات التي يحيل عليها
السؤال مع شرحها وتوضيحها (تلافيا للوقوع في الخطأ، يستحسن عدم ذكر أصحابها، حتى
ولو كانت تتشابه مع مواقف سبق لك الوقوف عليها في الدرس)
3.البناء الحجاجي للمضامين الفلسفية مع إمكانية
افتراض حجج واقعية (براهين واستدلالات واقعية وعقلية/ أدلة وصفية وتاريخية/ أمثلة/
شهادات وأقوال الفلاسفة)
ملحوظة: في السؤال لا يتم تقديم أساليب بلاغية أو روابط
لغوية ومنطقية.
ثالثا: مطلب المناقشة:
في
المناقشة ينبغي فتح حوار بين الأطروحات التي يحيل عليها السؤال، وذلك لإبراز ما
يلي:
وضع
تمهيد قبل عرض المواقف لربط التحليل بالمناقشة.
ملحوظة: في السؤال هناك نوع واحد من المناقشة هو
المناقشة الخارجية.
رابعا: مطلب التركيب
نقوم
في هذا المستوى بالعمليات التالية:
1.خلاصة موجزة ومركزة للأفكار والآراء التي تم
التطرق لها في اللحظات السابقة.
2.إبداء الرأي في الموضوع مع تبرير ذلك بحجج وأدلة
دامغة.
الجوانب
الشكلية:يكون الموضوع جيدا إذا استوفى
الشروط التالية:
السؤال: هل تتأسس النظرية على العقل
أم على التجربة؟
مطلب الفهم: 4ن
وجب
تأطير السؤال ضمن إطاره العام المتعلق بمجزوءة المعرفة، ثم مجاله الخاص المرتبط
بمفهوم النظرية والتجربة ثم تحديد القضية الأساسية التي يعالجها وهي قضية التجربة
والتجريب، وتضمين ذلك في شكل تمهيد مناسب يتضمن مفارقة. أي لابد أن يعطي التمهيد
المبررات الكافية لطرح الإشكالية تعطي المبرر الكافي لطرح الإشكالية المتعلقة
بالتجربة والتجريب.
التمهيد:
انطلاقا من
المفاهيم المتضمنة في هذا السؤال الفلسفي قيد الاشتغال (العقل، النظرية، التجربة
...) يتضح لنا أنه يتموضع داخل مجال مجزوءة المعرفة، والتي تتناول القضايا
الإشكالية والمنهجية المتعلقة بمجال العلوم. والمعرفة تقتضي ثلاث شروط أساسية،
الذات العارفة، وموضوع المعرفة والمنهج العلمي. وقد تطورت المعرفة الإنسانية من
معرفة قائمة على الحس كما هو الأمر مع التفسيرات الأسطورية البدائية للطبيعة، ثم
انتقل اليونان بعدها للنظر للطبيعة نظرة عقلانية قائمة على اللغوس، لكن هذا
التفسير اليوناني للكون كان ذا طابع ميتافزيقي (إهمال التجربة) وإحيائي (تشبيه
الطبيعة بالكائن الإنساني). وهو ما عطل العلم قرونا عديدة خاصة مع هيمنة الكنيسة
في أوروبا ودفاعها عن الحقيقة الدينية كتفسير وحيد للعالم. لكن مع ظهور الحداثة
خلال القرن 17، ستنفصل العلوم عن الفلسفة وتؤسس لنفسها مناهجها الخاصة. وقد تم
الاعتماد على منهجين أساسين، أول منهج استقرائي قائم على التجربة، ومنهج استنباطي
قائم على العقل الرياضي. وهو موضوع هذا السؤال الماثل أمامنا، والذي يعالج مفهوم
" النظرية والتجربة." بالتحديد قضية العقلانية العلمية. والتي تعني قدرة
العقل على المعرفة وتفسير الظواهر وبلوغ الحقيقة.
المفارقة: لكن كما رأينا فهذا المفهوم يطرح
عدة مفارقات: العقل / التجربة. المنهج الاستنباطي/ المنهج الاستقرائي. الحس/ العقل.
الإشكالية: هذه المفارقات تدفعنا لإعادة طرح
السؤال على الشكل التالي: هل تتأسس النظرية على العقل؟ أم على التجربة؟ أم
عليهما معا؟ وهل العقلانية العلمية هي عقلانية مطلقة ومنغلقة ومجردة؟ أم أنها
عقلانية نسبية ومنفتحة ومطبقة؟
مطلب التحليل: 5ن
في
التحليل نقوم بتحليل ألفاظ ومفاهيم السؤال، ونستخرج الأطروحة أو الأطروحات الضمنية
أو المصرح بها في السؤال، ثم نقوم بالتوسع في أطروحة السؤال، وبنائها مضامينها
الفكرية والحجاجية.
يمكن
وضع خلاصة جزئية في نهاية التحليل وسؤال للانتقال نحو مطلب المناقشة.
شرح
ألفاظ ومفاهيم السؤال والعلاقة بينها.
إذن كخطوة
أولية لمقاربة الإشكال الذي ينطوي عليه السؤال المطروح ومناقشة إشكالياته المطروحة
أعلاه يقتضي الأمر الحسم مع الحروف والألفاظ والمفاهيم المؤثثة لبنيته حيث نجد أنه
يفتتح بحرف استفهام هل يحمل في طياته سؤال استفهام للتخيير بين قضيتين متقابلتين
يحتمل الإجابة عنها إما بنعم أو لا. أما مفهوم النظرية فيقصد به: مجموع الأطروحات
والقوانين التي تؤسس نسقا متكاملا في مجال معين (الفيزياء مثلا). أما مفهوم التجربة فيعني: اللحظة المنهجية التي
يتم فيها اختبار الفرضيات العلمية. أما العقل: فيقصد به المبدأ العام الذي يضفي
الوحدة والنظام على كل المعارف والمعطيات الحسية. وتكمن العلاقة بين هذه المفاهيم
في أنها علاقة تقابل، نظرا لإحالة التجربة على ما هو حسي من جهة، ثم إحالة العقل
على ما هو نظري.
وهو
ما يفضي بنا إلى أطروحتين فلسفيتين يحيل عليهما السؤال: الأولى تؤكد على أهمية
العقل في تأسيس النظرية العلمية. والثانية تؤكد على دور التجربة في تأسيس النظرية
العلمية. سنعتبر الأطروحة القائلة بأهمية التجربة هي الأطروحة الرئيسية.
فالتجربة
هي الأساس الوحيد لتأسيس النظرية، مادام العقل صفحة بيضاء يملأ بالتجارب الحسية.
إن كل الحقائق التي تم التوصل إليها كالجاذبية والحركة والتحولات الكيميائية
وغيرها، إنما كانت بفضل التجارب التي قام بها العلماء، الذين تجاوزوا التأملات
الميتافزيقية التي كان يقوم بها الفلاسفة في السابق، وأسسوا بذلك لمعرفة قائمة على
المنهج الاستقرائي لذي يؤكد على أن المعرفة تبني من أسفل (يعني الظواهر
التجريبية)، (نحو الأعلى يعني القوانين العلمية). ونجد هذا التصور حاضرا لدى
الكثير من العلماء والفلاسفة التجريبيين أمثال كلود
برنار مثلا، الذي عرف بدفاعه عن المنهج التجريبي، باعتبار الأساس الأولي
لكل معرفة علمية والذي صاغ خطواته الأساسية:
أولا:
الملاحظة: حيث يلاحظ العالم الظاهرة المراد دراستها. ثانيا: الفرضية: حيث يفترض
تفسيرا أولا للظاهرة. ثالثا: التجربة: حيث يتحقق العالم من هذه الفرضية عبر
التجربة وهي أهم مرحلة في هذا المنهج، حيث يجب على العالم أن يكون بمثابة آلة
تصوير تصور كل الجزئيات المتعلقة بالتجربة. رابعا: استنتاج القانون العلمي: حينما
تتطابق التجربة مع الفرضية، في حالة العكس يعيد العالم النظر في الفرضية ويصوغ
فرضية جديدة.
ويمكن
دعم هذا الموقف بعدة أمثلة من تاريخ العلم: فمثلا كل الاكتشافات العلمية خلال
العصر الكلاسيكي للعلم، أي القرن 17 و 18م كان نتيجة المنهج التجريبي. بدءا
بالنظريات الفلكية مع كبلر وغاليلي ونيوتن. ثم النظريات في مجال الكيمياء مع
لافوازييه أو في مجال البيولوجيا مع داروين. كان المنهج التجريبي هو الوسيلة لبناء
هذه المعارف العلمية.
يمكن
القول إذن أن المنهج التجريبي هو الأساس لبناء النظرية العلمية. لكن هل المنهج
التجريبي مازال قادرا على دراسة الظواهر الجديدة المعقدة في مجال الفيزياء مثلا؟
مطلب المناقشة: 5ن
ينفتح
التلميذ على مواقف معارضة لأطروحة السؤال. وفتح النقاش بينها وبين تصورات فلسفية
معارضة أو مؤيدة.
رغم أهمية الموقف التجريبي، إلا أن الظواهر
ستتعقد في مجال العلم، بدءا من المنتصف الثاني من القرن 19 مع اكتشاف الذرة
وعوالمها الميكروسكوبية، أو في ظل الظواهر الفلكية المايكروسكوبية، لذلك سيتصدع
المنهج التجريبي الكلاسيكي، وسترتفع أسهم المنهج العقلاني، القائم على الخيال
الرياضي، والذي يعطي الأهمية للقوانين الرياضية على المعطيات الإمبريقية التجريبية.
أماألبرت أينشتاين فيؤكد على أن
النظريات العلمية هي إنتاجات حرة للعقل البشري، فالعقل هو الذي يضفي على المعرفة
العلمية تماسكها المنطقي، أما المعطيات التجريبية فهي مطالبة بأن تكون مطابقة
للقضايا الناتجة عن العقل. فالعقل الرياضي وحده كفيل بتفسير الظواهر الطبيعيةـ دون
حاجة إلى التجربة، التي لا تلعب غلا دور المرشد من جهة، والمطبق للفرضيات العقلية من
جهة أخرى. يقول أينشتاين: " إن المبدأ الخلاق في
العلم لا يوجد في التجربة، بل في العقل الرياضي.". في ظل هذا التضارب،
ألا يمكن القول أن الحوار بين العقل والتجربة هو الأساس لبناء العلم، وليس الصراع
بين المنهجين العقلاني والتجريبي. هذا الموقف هو الذي سيؤكد عليه الإبستمولوجي
الفرنسي، غاستون باشلار الذي ينتقد كلا
النزعتين التجريبية والعقلانية، ويرفض اعتبار الواقع المصدر الوحيد لبلوغ النظرية
العلمية، كما يرفض اعتبار العقل مكتفيا بذاته في بناء المعرفة العلمية. ويرى أنه
لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار بين العقل والتجربة. فلا يمكن
في نظره بناء النظرية على العقل وحده أو على التجربة وحدها. يقول: " لا توجد
عقلانية فارغة، كما لا توجد مادية عمياء".
مطلب الخاتمة:
يُنتظر
في هذه اللحظة أن يستنتج التلميذ نتائج وخلاصات حول ماتم تحليله ومناقشته.
والإشارة إلى أهمية الإشكالية، وأخيرا مع الإدلاء برأيه الشخصي حول الموضوع
والتأكيد على الطابع النسبي للفكر الفلسفي والعلمي.
من
خلال تحليلينا ومناقشتنا للسؤال الفلسفي أعلاه يتبين أن إشكالية العقلانية
العلمية، قد أفرزت مجموعة من التصورات الفلسفية المتعارضة: فمن جهة يذهب الاتجاه
الأول إلى أهمية التجربة في بناء النظرية العلمية. أما الاتجاه الثاني: فيؤكد على
دور العقل الرياضي في تأسيس النظرية العلمية. أما غاستون باشلار فيؤكد على تصور
توفيقي بين كلا الأطروحتين ويؤكد العلم المعاصر لا يؤمن بأي نزعة مغلقة سواء كانت
تجريبية أو عقلانية لأن الحوار الجدلي بين العقل الرياضي والتجربة في المختبر هو
ما يؤسس للنظرية العلمية.
وهو
الموقف الذي نجده منسجما مع موقفنا من الإشكالية، لأن مجال العلم ليس مجال عقائد
منغلقة بل هو مجال مفتوح لأن المعرفة العلمية معرفة مطلقة لكنها منفتحة على
النسبية والتطور والخلق المستمر.
وفي
الأخير نتساءل: كيف يمكن أن نتحقق من صدق وعلمية النظرية العلمية؟ بمعنى متى
يمكننا القول إن النظرية العلمية خاطئة او صحيحة؟
ما
هو معيار علمية النظريات العلمية؟ هل هو مطابقة الواقع التجريبي؟ أم شرط التماسك
المنطقي؟
التصور العقلاني: ألبرت أينشتاين: العقل هو معيار صلاحية النظرية
العلم
يرى
أن العقل وحده كاف في التحقق من صدق النظريات التي يستعصي عرضها على الاختبار
التجريبي، فالتماسك المنطقي والترابط الداخلي لنظرية ما، هو المعيار الأساسي
لإبراز صدقها وسلامتها. ذلك أنه من أجل التأكد من صحة نظرية علمية ما وجب النظر
إلى البنية الداخلية لهذه النظرية من أجل إبراز الترابط والانسجام الموجود بين
المقدمات والنتائج وبذلك يمكن التسليم بسلامة النظرية وصحتها.
التصور التجريبي: بيير دوهيم (التجربة هي معيار صلاحية النظرية
العلمية)
يرى
دوهيم أن تطاق نظرية فيزيائية ما مع الواقع عند إخضاعها للتجربة هو المعيار الوحيد
للتأكد من صدقها وصحتها، فالحسم مع صحة وصلاحية النظرية العلمية، يقتضي إخضاعها
للتجربة، فإن هي توافقت مع القوانين التجريبية تكون بذلك قد أصابت هدفها وأثبتت
صلاحيتها. وإن لم تتوافق معها وجب تعديلها أو رفضها.
أطروحة كارل بوبر: قابلية التكذيب والتفنيد هو معيار صحة النظرية
يرى
بوبر أن معيار التجريب ليس كافيا للتحقق من نظرية ما، لذلك وجب معرفة مدى قابليتها
للتكذيب، فالنظرية التي لا تقبل التكذيب وتعتبر نفسها مُسَلَمَة مطلقة وصحيحة مائة
في المائة، لا يمكن اعتبارها نظرية علمية صادقة، في حين إذا قام صاحب النظرية بوضع
الاحتمالات الممكنة لتكذيب نظريته وأبرز إمكانات هدمها وتجاوزها يمكن قبولها مؤقتا
كنظرية إن توافقت تنبؤاتها المسبقة مع ما تؤكده التجربة. لذلك فبوبر بهذا المعيار
يستبعد كل النظريات الدوغمائية التي تدعي العلمية خلال القرن 20م مثل الماركسية
والفرويدية، لأنهما نظريتان ميتافيزيقيان نسقان مغلقان لا يقبلان التكذيب والتفنيد.
خلاصة تركيبية للمفهوم:
نخلص
إلى أن حركة العلم ترتبط بتجاوز كل ما هو غير علمي، لكنها تنفتح على كل ما يساهم
في تلك الحركية. وهكذا يتكامل داخل مجال المعرفة العلمية النظري بالتجريبي والعقلي
بالواقعي والخيالي بالحسي. أكثر من ذلك يظل العلم منفتحا على كل جديد مادام يقبل
النقد والمراجعة. والسؤال المطروح: إذا استطاع العلم تكوين معرفة بالطبيعة فهل
بمقدوره تأسيس معرفة بالإنسان كذلك؟
إشكالية المحور:على أي أساس تقوم العقلانية العلمية؟ هل على العقل أم
على التجربة؟ أم عليهما معا؟
التصورات الفلسفية:
أطروحة ألبرت أينشتاين: النظرية العلمية تتأسس على العقل الرياضي
التجربة
لا تشكل بمعناها الكلاسيكي أساس المعرفة العلمية وتقدمها، فالمعرفة العلمية
المعاصرة أصبحت تقوم على مقدمات العقل الرياضي القائم على الاستنباط والاستنتاج
والتماسك المنطقي الرياضي بحيث تكون نتائج هذا النسق الرياضي متطابقة مع التجربة،
يمكن أن نفهم ذلك من خلال المعرفة العلمية المعاصرة. يقول أينشتاين: " المبدأ
المبدع والخلاق في العلم لا يوجد في التجربة بل يوجد في العقل الرياضي."
أطروحة رايشنباخ: النظرية العلمية تتأسس على أساس التجربة
يرى
رايشنباخ أن العقلانية الرياضية بتعاليها على الملاحظة والتجريب لا يمكنها أن تؤسس
المعرفة العلمية، فالمعرفة تكون علمية حين تتأسس على المنهج التجريبي، في حين تصبح
ضربا من التصوف والمثال إن تخلت وأملت هذا المنهج، فالتجربة هي ما يضفي على
المعرفة طابع العلمية لكونها تشكل مصدرا " حسيا" ووضعيا للحقيقة عكس
المعرفة العقلانية التي تبقى معرفة نظرية تجريبية لا تلامس الواقع.
التصور الإبستمولوجي المعاصر: أطروحة باشلار (النظرية العلمية
تتأسس على الحوار بين العقل والتجربة)
المعرفة
العلمية نتاج الحوار الجدلي بين العقل من جهة والتجربة من جهة أخرى، فلا النزعة
الكلاسيكية المغلقة ولا النزعة الاختبارية السطحية الساذجة بإمكانها معرفة تأسيس
المعرفة العلمية أو الإسهام في التقدم العلمي، ذلك أن الواقع العلمي عند باشلار
ليس واقعا حسيا معطى بشكل مسبق، وإنما هو واقع يقوم العقل ببنائه بطريقة رياضية
وليس، وليس واقعا مستقرا أو ثابتا، إنما هو واقع متحول ومتغير. يقول " لا توجد
عقلانية فارغة كما لا توجد مادية عمياء."
ما
هو الطرق بين التجربة والتجربة؟ ماهي مراحل وخطوات المنهج التجريبي؟ ما هو الفرق
بين المنهج التجريبي الكلاسيكي والمعاصر؟ هل يمكن للعقل والخيال أن يتدخل في
المنهج التجريبي؟ ماهي شروط التجريب العلمي ومهي حدوده؟
أطروحة كلود برنار: المنهج التجريبي الكلاسيكي
يعتبر
التجريب أو فن الحصول على تجارب دقيقة ومحددة هو الأساس العملي ويشكل الجزء
التنفيذي للمنهج التجريبي بخطواته الأربع:
الملاحظة،
الفرضية، التجربة، الاستنتاج، القانون العلمي.
المنهج
التجريبي وحده الكفيل ببناء نظرية علمية بالاعتماد على الخطوات الأربع الأساسية
وأهمها: التجربة
أطروحة روني طوم: التجربة الخيالية
يميز
هذا العالم والرياضي، بين التجربة بمعناها الخام والتي لم تلعب أي دور في نشأة
العلم الكلاسيكي بل شكلت عائقا أمام تطوره، وبين التجريب الذي يتميز بكونه " مساءلة
منهجية للطبيعة " تصاغ بلغة رياضية دقيقة.
يؤكد
على أن المنهج التجريبي لا يمكنه الاستغناء عن الخيال الرياضي.
يدور الحوار في هذه المسرحية بين غاليلي والفيلسوف وعالم
الرياضيات، وفدرزوني مساعد غاليلي:
فدرزوني : (
التلسكوب بيده) سوف تدهشون أيها السادة، لا توجد أبراج في السماء.
الفيلسوف: افتح
أي كتاب مدرسي أيها الرجل الشجاع وستجدها فيه ( ...) إننا لا نعتمد على مرجع إلا
مرجع أرسطو المقدس.
غاليلي: ( في
تواضع) أيها السادة إن الإيمان بأرسطو كمرجع شيء، أما ما يمكن أن يلمسه الإنسان
بإصبعهفشيء آخر. تقولون إنه طبقا لأرسطو
توجد أبراج في السماء، لذلك فإن بعض التحركات لا يمكن أن تحدث لأن الكواكب لابد
لها وأن تخترق هذه الأبراج. ولكن ماذا إذا استطعتم أن تستوثقوا من هذه التحركات.
فقد تضطرون إلى الانتهاء بأن ليست هناك أبراج. إنني أستحلفكم أيها السادة بكل
تواضع أن تثقوا بأعينكم ( ...).
العالم الرياضي: إنني أقرأ أرسطو ومن ثم أستطيع أن أثبت لك بهذا العمل أنني أثق بعيني...
الفيلسوف: ( من
أعلى) إذا كان لابد أن نحط من قدر " أرسطو" وهو ثقة، ( ...) فإنه يبدو
لي تماما ن متابعة المناقشة أمر لا طائل منه، إني أرفض الاشتراك في مناقشة خالية
من الحقيقة.
غاليلي: إن
الحقيقة بنت الزمان وليست بنت الأشخاص، و ما قيمة التفكير في السماء وفي الأرض؟
حاولوا أن تدرسوا جزءا من الكون بشكل واقعي، فليس لجهلنا نهاية ( ...) لماذا
تريدون أن تبينوا أننا في غاية الذكاء في الوقت الذي يمكن أن نكون فيه أغبياء أو
في غاية الضآلة.
برتولد بريشت: حياة غاليلي، ( مسرحية )، تعريب بكر
الشرقاوي، دار الفارابي بيروت، 1979 ص: 69-71.
تحليل الوضعية المشكلة:
Galilée devant le Saint-Office au Vatican, 1874
في مسرحية غاليلي للكاتب " برتولد بريشت"، نجد
المأساة الكبرى لرجل علم خفض رأسه أمام جلاديه قائلا: " تعيس هو البلد الذي
في حاجة إلى أبطال.". بهذه العبارة دافع غاليلي عن أفكاره العلمية بمرارة.
تدعونا هذه المسرحية إلى التفكير في التحولات العلمية الكبرى التي تعرفها المعرفة
البشرية. فنحن أمام نظرة جديدة للعالم تقوم على تفسير علمي يعتمد الملاحظة
والتجريب (العين واليد والتلسكوب) فأي دور سيلعبه العقل في هذا التحول؟ وإذا
كان رهان كل معرفة بشرية هو الحقيقة فأي نوع من الحقائق يؤسسه غاليلي في هذا
الحوار؟ لماذا اعتبر أن الحقيقة بنت زمانها؟
تقديم لمجزوءة المعرفة
يعتبر
الإنسان كائنا عارفا ومنتجا للمعرفة ولذلك فقد احتل مبحث المعرفة(الإبستمولولجيا)
في مجال التفكير الفلسفي مكانة هامة في انشغالات الفلاسفة وأبحاثهم
وقد طرحت عدة إشكالات في هذا المبحث من قبيل إمكانية المعرفة، مصدرها،
طبيعتها معاييرها، قيمتها، وظيفتها ومناهج الوصول إليها وظروف انتاجها...
وغالبا ما يتم التمييز في عملية إنتاج المعرفة بين ثلاث عناصر أساسية: الذات
العارفة، موضوع المعرفة، منهج المعرفة. ومعظم الإشكالات التي يتم طرحها في
مجال المعرفة تتعلق بالتفاعلات الحاصلة بين هذه العناصر الثلاثة. وتتمحور قضايا هذه
المجزوءة حول المفاهيم التالية:
مفهوما النظرية والتجربة:
المحور الأول: التجربة والتجريب
المحور الثاني: العقلانية التجريبية
المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية
مفهوم الحقيقة:
المحور الأول: الحقيقة
والرأي
المحور الثاني: معايير
الحقيقة
المحور الثالث: قيمة
الحقيقة
مفهوم العلمية في العلوم
الإنسانية " الشعبة الأدبية"