المادة: الفلسفة
النص:
" لكل واحد منا انطباع أكيد بأنه الحاصل الكلي لتجربته الخاصة ولذاكرته يشكل وحدة متميزة تماما عن تلك التي لأي شخص آخر، وهو يسمي هذه الوحدة ب "الأنا". ولكن ما " الأنا"؟ إذا قمنا بتحليل هذا المفهوم فإننا سنجد، على الأرجح، أنه يعني مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. وبعملية استبطان أو تأمل ذاتي سنكتشف أن " الأنا" هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب. لنتخيل أننا سافرنا إلى بلد بعيد وغبنا عن جميع أصدقائنا القدامى لدرجة نسيانهم، وأننا تمكنا، بالتالي، من التعرف على أصدقاء جدد وشاركناهم حياتهم بصخب أكبر مما كنا نفعله مع أولئك القدامى. إن الانغماس في الحياة الجديدة لن ينسينا، أبدا حياتنا القديمة على الرغم من أنها أصبحت بالتدريج تفقد أهميتها بالنسبة لنا، فما زلنا نذكر الشاب الذي كناه سابقا، ونتحدث عنه بضمير الغائب (...) ومع ذلك، فإن مجرى حياتنا لن يعرف انقطاعا ولا موتا، وحتى لو تمكن أحدهم من دفعنا إلى نسيان كافة الذكريات، فإنه لن يكون قد قتلنا أو أفقدنا وجودنا باعتبارنا أشخاصا.
حلل
(ي) النص وناقشه (يه).
مطلب الفهم: 3ن
من خلال المفاهيم المتضمنة في النص (الشخص، الأنا، الذاكرة...)، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن مفهوم الشخص، إذ يسلط الضوء على موضوع الشخص والهوية، ويقصد بالشخص في السياق الفلسفي، مجموع المحددات الماهوية الثابتة والمشتركة بين الجنس البشري، التي لا تعرف تغيرا أو اختلافا من كائن إلى آخر، ويحيل مفهوم الشخص على الذات الواعية والمفكرة والمسؤولة عن أفعالها مسؤولية قانونية وأخلاقية، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: ما الذي يحدد هوية الشخص؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته هو المحدد لهوية الشخص؟ ومادور العقل والاشعور في تأسيس هوية الشخص؟
مطلب التحليل: 5ن
جوابا عن الإشكالات أعلاه يقدم النص أطروحة مركزية يؤكد من خلالها على أن
الوعي الحسي المرتبط بالذاكرة هو المحدد لهوية الشخص، حيث يستهل صاحب النص نصه
مؤكدا على أن كل فرد من له انطباع خاص بتفرد تجاربه وذكرياته عن باقي أفراد بني
جنسه، ويسمى هذا التفرد بالأنا، ليتساءل صاحب النص عن مفهوم هذا الأنا، ليجيب بأنه
مجموعة من المعطيات المنعزلة ( تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها
تلك المعطيات، أو بالأحرى هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات
وتجارب، فرغم تبدل أحوالنا وانغماسنا في حياة جديدة مختلفة عن تلك التي كنا نحياها
ونحن أطفال صغار، فإن ذلك لن ينسينا ذكريات الصبا التي تعتبر مكونا من مكونات
أنانا ومحددا رئيسا لهويتنا.
لقد استثمر صاحب النص جملة من المفاهيم
الفلسفية أهمها: الشخص وهو الذات الواعية والمستمرة في الزمان عبر الذاكرة، كما
نجد مفهوم التجربة: وهي كل الأحداث التي يمر بها الشخص في حياته، ثم نجد مفهوم
الأنا وهو حسب النص: مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى
الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. والعلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي
علاقة ترابط وانسجام لأن الشخص يحتفظ بهويته وأناه عبر الذاكرة.
ولدعم أطروحته وظف صاحب النص مجموعة من
الأساليب الحجاجية أهمها: أسلوب التعريف، حيث عرف الأنا معتبرا إياه بأنه مجموعة
من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات)، بالإضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك
المعطيات، وأسلوب المثال، حيث يستحضر مثال السفر للدلالة على أنه غير قادر على أن
ينسينا ذكريات الشباب، وكذا أسلوب الاستنتاج حيث خلص صاحب النص إلى أن الوعي الحسي
هو المحدد لهوية الشخص. كما اعتمد على مجموعة من الروابط المنطقية من بينها:
التأكيد " إن الانغماس في الحياة، فإن مجرى حياتنا..."، الاستفهام
" لكن ما " الأنا"؟
مطلب المناقشة: 5ن
يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد على أن هوية الشخص تتحدد
انطلاقا من الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته، أما من ناحية
بناء النص فهو متماسك من الناحية الاستدلالية مع وضوح للأفكار وانسجام بين
المفاهيم. أما أطروحته القائلة بأن الهوية الشخصية تستمر في الزمان والمكان عبر
الذاكرة فنجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف جون لوك الذي يرى أن هوية الشخص لا تتأسس
على العقل، لأن هذا الأخير صفحة بيضاء، بل تقوم على الوعي، أو المعرفة الحسية التي
تصاحب جميع أفعاله وتجاربه الشعورية، من شم وتذوق وسمع وإحساس...، فالوعي الحسي هو
ما يجعل الشخص " هو هو"، مادام أن الشخص لا يمكن أن يفكر بمعزل عن
المعارف التي يكتسبها بواسطة الشعور والإحساس، وبفضل الذاكرة يستمر الوعي في
الزمان ويدرك الشخص أنه ذات واحدة وثابتة لا يشوبها التحول والتغيير، فهوية الشخص
إذن، تتأسس على الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراره وديمومته. لكن هل
الذاكرة وحدها محددا للهوية؟ ألا يمكن الحديث كذلك على أن العقل أو اللاشعور هو
المحدد لهوية الشخص؟
لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور الفيلسوف ديكارت الذي يرى أن العقل هو المحدد لهوية الشخص. فمن خلال تجربة الشك التي أوصلته إلى حقيقة " الكوجيطو " أنا أفكر إذن أنا موجود"، أدرك ديكارت أن الذات جوهرها الفكر، والعقل كنور فطري هو الذي يجعل الشخص يعي ذاته ويثبت وجوده ويبلغ الحقيقة. فمتى توقفت الأنا عن التفكير توقفت عن الوجود وبالتالي هوية الشخص تتوقف أساسا على الممارسة الفكرية بكل أبعادها: التحليلية والتخييلية والإبداعية...، وهو ما يعبر عنه ديكارت بقوله: " أي شيء أنا؟ أنا شيء مفكر". وفي نفس لسياق نستحضر تصور سيغموند فرويد الذي يعتبر أن هوية الشخص تتشكل لا شعوريا من خلال الصراع بين مكونات الجهاز النفسي الثلاث: الهو، موطن الغرائز والشهوات والرغبات المكبوتة، والأنا الأعلى الذي يتضمن مجموع القيم والمثل الأخلاقية والقانونية التي يكتسبها الفرد من المحيط الاجتماعي والتربوي والديني...و الأنا المكون المسؤول عن التوفيق بين المطالب المتناقضة للهو و الأنا الأعلى والعالم الخارجي. فاللاشعور هو المحدد لاختياراتنا والموجه الرئيس لإرادتنا ورغباتنا، وبالتالي المسؤول المباشر عن تحديد هويتنا.
مطلب التركيب: 3ن
من
خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية الشخص والهوية، أفرزت مجموعة من المواقف
المتعارضة، حيث يرى صاحب النص وجون لوك أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص، في
حين اعتبر ديكارت أن العقل هو المحدد لهوية الشخص وبالمقابل يؤكد فرويد أن اللاشعور
هو المحدد لهوية الشخص. أما فيا يتعلق بوجهة نظري الشخصية ومادام التفكير الفلسفي
تفكيرا متعددا ومنفتحا وليس تفكيرا أحاديا كما هو شأن الإيديولوجيا، فإن لكل موقف
فلسفي ما يبرره من الناحية المنطقية والتاريخية. لذلك فكل هذه المواقف متداخلة هي
ما يعطينا الحل للإشكالية، فمادام الإنسان كائن متعدد الأبعاد (بعد نفسي وتاريخي
واقتصادي واجتماعي وسياسي...) فإن هويته بالتالي متعددة الأوجه، وليست هوية ذات
بعد واحد.
وفي الأخير نتساءل: ما الذي يحدد قيمة الشخص؟
الجوانب الشكلية : 3ن
الخط - تماسك الموضوع - اللغة
تحميل PDF
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire