المادة: الفلسفة
الفئة المستهدفة: 2 باك " الشعبة الأدبية"
مجزوءة: المعرفة
مفهوم: مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
نموذج تحليل قولة فلسفية مرفقة بسؤال:
" إن العلوم الإنسانية تجد نفسها في وسط الطريق بين
التفسير والتنبؤ"
حلل هذه القولة مبرزا المنهج الملائم لدراسة الظاهرة
الإنسانية هل هو التفسير أم الفهم؟
المقدمة: 3ن
حاول الإنسان منذ أن وجد فهم وتفسير الظواهر المحيطة به،
لذلك يسمى بالكائن العارف، ولقد بدأت محاولاته الأولى في تفسير العالم منذ نشأة
الفلسفة في اليونان التي تجاوزت التفسيرات الأسطورية (الميتوس)، وذلك من خلال
اعتماد العقل والبرهان (اللوغوس)، لكن رغم هذه المحاولة إلا أن الفلسفة لم تستطع
إعطاء حقائق يقينية نهائية نظرا التجريدي والتأملي. وهذا ما حاولت العلوم تداركه
بانفصالها عن الفلسفة خلال القرن 17م، وقد حققت نتائج باهرة وذلك باعتماد النظرية (الرياضيات)
والتجربة. وقد حاولت العلوم الإنسانية إنتاج معرفة علمية عن الإنسان، خلال القرن
19م، بعد انفصالها بدورها عن الفلسفة، لكن اعترضتها مجموعة من العوائق
الإبستمولوجية، وأهمها تلك المتعلقة ب"المنهج". والقولة الماثلة أمامنا،
تندرج ضمن هذا الإطار الإشكالي أي "مجال إنتاج المعرفة العلمية حول
الإنسان". وتعالج بالتحديد قضية التفسير والفهم في العلوم الإنسانية."
ويحيل على عدة مفارقات: الذات/الموضوع، التفسير/الفهم السبب/ النتيجة، الثابت /
المتغير...
وبناء على هذه المفارقات نستنتج التساؤلات التالية:
ما هو المنهج الملائم لدراسة الظواهر الإنسانية؟ هل هو
منهج الفهم؟ أم منهج التفسير؟ هل الظاهرة الإنسانية تفسر وبالتالي تخضع لقانون
السببية مثلها في ذلك مثل الظاهرة الطبيعية؟ أم أن الظاهرة الإنسانية تفهم؟ نظرا
لخصوصيتها؟ ألا يمكن حينما نستعمل منهج الفهم أن نسقط في الذاتية وبالتالي تغيب
عنا الموضوعية التي هي أساس العلمية؟
مطلب التحليل: 5ن
جوابا على هذه الأسئلة المطروحة أعلاه، يؤكد صاحب القولة
على أن العلوم الإنسانية تتأرجح بين التفسير والتنبؤ، أي أنها تبقى وسط الطريق،
عكس العلوم الحقة التي حققت تقدما بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ، وهو الأمر الذي
يجعل العلوم الإنسانية في وضعية إبستمولوجية غير مستقرة.
معنى ذلك أن الظاهرة الإنسانية لا يمكن تفسيرها، بطريقة
منهجية، كما أن المشتغل في حقل العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يعمم النتائج
المتوصل إليها، أي انه لا يستطيع التنبؤ بالظاهرة
وقد استثمر صاحب القولة جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها
مفهوم العلوم الإنسانية، ويقصد بها العلوم التي تدرس الإنسان، كعلم الاجتماع وعلم
النفس. والتي ظهرت خلال القرن 19م على يد الوضعيين أمثال (كونت، دوركهايم..)،
وحاولت تأسيس معرفة علمية للظواهر النفسية والاجتماعية والتاريخية. وكذلك مفهوم
التفسير الذي يقصد به الكشف عن الأسباب والعلاقات المتحكمة في ظاهرة ما. ومفهوم
التنبؤ وهو افتراض حدوث ظاهرة محددة بناء على قانون سببي.
إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تقابل وتعارض. لأن
العلوم الإنسانية تظل في وضعية ابستمولوجية بين التفسير والتنبؤ.
برجوعنا إلى القولة نجدها تؤكد على أن العلوم الإنسانية
تظل في وضعية ابستمولوجية متأرجحة بين التفسير والتنبؤ، وبالتالي لا تستطيع أن
تقتدي بالعلوم الطبيعية لأن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تفسر وتنبؤ في نفس الوقت،
وهذا ما تعجز عنه العلوم التي تعنى بالإنسان لأن وضعيتها الإبستمولوجية معقدة نظرا
لتداخل الذات والموضوع أو ما يسميه بياجي ب " تمركز الذات حول ذاتها"،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وقوف العالِم الإنساني في منتصف الطريق بين التفسير
والتنبؤ.
ونجد لهذه القولة حضورا قويا عند الأنثروبولوجي الفرنسي
كلود ليفي ستروس، الذي يؤكد على أن العلوم الإنسانية لم تستطع لحد الآن، المضي
بعيدا، فهي لا تقدم سوى تفسيرات فضفاضة وعامة تفتقد للدقة والموضوعية اللازمة في
مجال العلم الحق. كما أنها لا تستطيع التوقع بشكل يقيني وأكيد. والسبب في ذلك راجع
إلى الوعي، فالوعي بالظاهرة الإنسانية مكن من تحقيق الفصل بين الذات والموضوع. لكن
هذا الوعي يكون سلبيا في حالة الموضوع الملاَحظ، فالإنسان حينما يحس أنه موضوع
ملاحظة تجريبية قد يغير ذلك من مسار التجربة ويؤثر على موضوع الدراسة.
فمثلا عندما حاول دوركهايم تفسير ظاهرة الانتحار من وجهة
نظر اجتماعية، فإننا لا يمكن أن نقول بأن نظريته صحيحة مائة في المائة، رغم بيان
أسباب الانتحار فإننا لا يمكن أن نقول بأن نظرية صحيحة مائة فالمائة رغم بيان
أسباب الانتحار فإننا لا نستطيع القول إن التفسيرات التي قدمها دوركهايم ترقى
لمستوى الحقيقة العلمية الموضوعية.
أما في العلوم الحقة فهي على العكس تماما فبفضل المنهج
التفسيري نستطيع أن نكشف عن أسباب الظاهرة ونتنبأ بها في نفس الوقت. فمثلا تبخر
الماء، دوران الكواكب، سقوط الأجسام، ظاهرة الكسوف والخسوف...
من خلال تحليل هذه القولة يتبين لنا إذن أنها تراهن على
أن المنهج التفسيري تعترضه مجموعة من العوائق الإبستمولوجية أهمها عجزه عن التنبؤ،
وعدم دقته تفسيراته، إذن نتساءل: هل هذا معناه أن الإنسان لا نستطيع تفسير سلوكه
وبالتالي وجب فهمه وبالتالي فالمنهج التفهمي هو المنهج الملائم لدراسة العلوم الإنسانية؟
مطلب المناقشة: 5ن
قبل
الخوض في مناقشة هذه القولة لابد من التأكيد أولا على قيمتها الفلسفية والتاريخية.
فهي تعبر بوضوح عن موقف بنيوي معاصر، يؤكد على المنهج التفسيري تعترضه صعوبات كما
أنها تعبر عن رأي واحد من أهم المشتغلين في حقل العلوم الإنسانية وهو كلود ليفي
ستروس، فهذا الموقف إذن يعبر عن موقف واحد من المشتغلين في حقل العلوم الإنسانية
خاصة الأنثروبولوجيا الثقافية وقد مارس عمله في الميدان لمدة طويلة.
لكن رغم أهمية هذه القولة إلا أن هناك مجموعة من المواقف
الأخرى، فمن جهة يؤكد الاتجاه الوضعي ( إميل دوركهايم، أوغست كونت) على أن الإنسان
قابل للتحديد العلمي الدقيق مادام جزءا من الطبيعة لذلك فهو يخضع لقوانين الطبيعة
ويقبل التجريب، لذلك في فإن الظاهرة الإنسانية قابلة للتفسير السببي مثلها مثل
باقي العلوم وهو ما حاول دوركهايم تطبيقه على مجموعة من الظواهر الإنسانية التي
درسها باعتماد مؤشرات إحصائية ودراسات ميدانية تجريبية وفي اتجاه آخر يحضر موقف
كارل بوبر الذي يؤكد بدوره على صعوبة تطبيق منهج التفسير لأن في نظره المنهج
الملائم هو منهج الفهم، لأن الإنسان يُفهم ولا يُفسر، والظواهر المرتبطة به ليست
ثابتة، بل إنها متغيرة باستمرار في الزمان والمكان فهي تتميز بالحركة والتغير والنسبية التاريخية، الشيء الذي يجعل
منها ظواهر غير قابلة للتفسير العلمي والدراسة.
مطلب التركيب: 3ن
من
خلال تحليلنا ومناقشتنا للقولة نخلص إلى أن إشكالية التفسير والفهم في العلوم
الإنسانية قد أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، فمن جهة يوكد صاحب القولة على
صعوبة التفسير السببي، إلا أنه من جهة أخرى يعتبره الوضعيون منهجا مناسبا، أما
كارل بوبر فإنه يعتبر أن المنهج المناسب هو منهج الفهم وليس منهج التفسير وربما هو
الموقف الذي يثبت صحته نظرا لأن الإنسان كائن متعدد الأبعاد. وليس كائنا ذو بعد
واحد كما يقول الفيلسوف الأمريكي هربرت ماركيوز. وفي الأخير نتساءل: هل معيار قياس
علمية النظريات في العلوم الإنسانية هو مقارنتها بالعلمية الخاصة بالعلوم الحقة؟
الجوانب الشكلية : تنظيم الورقة +
اللغة + تماسك الموضوع 3ن
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire