الاثنين، 22 يناير 2024

المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 بكالوريا «الشعبة الأدبية "

مجزوءة: الوضع البشري



تأطير إشكالي للمحور:

لعل المتأمل في الأحداث التاريخية: (الحروب، الثورات، الاكتشافات العلمية...)، سيلاحظ ولا شك أن هذه الأحداث التاريخية تثير مجموعة من التساؤلات:

هل هذه الأحداث ناتجة عن الصدفة؟ أم أنها خاضعة لمنطق وقوانين وحتميات؟

للإجابة عن هذه التساؤلات نستحضر مجموعة من التصورات والمواقف الفلسفية:

التصور المثالي الجدلي: أطروحة فردريك هيجل (1770-1831): التاريخ يسير بشكل تقدمي نحو غاية مطلقة

لا يمكن الحديث عن مفهوم التقدم في تاريخ الفلسفة دون استحضار تصور هيجل المثالي حيث يرى أن التاريخ لا يسير سيرا عشوائيا بل هو يسير سيرا تقدميا نحو تحقيق الفكرة المطلقة في الزمان – كقوة روحية لامتناهية- كما تحققها الطبيعة في المكان. فكل أحداث التاريخ معقولة وكل حقبة تاريخية ضرورية في المسار الديالكتيكي (الجدلي) للفكرة المطلقة في سعيها نحو التحقق التدريجي في هذا العالم. وقد شبه التاريخ بكرة ثلج متدرجة تتراكم وتحتوي السابق في سيرها المتناهي نحو تحقيق اكتمالها، كل حقبة تاريخية هي ضرورية وحتمية في مسار تحقيق هذا الكمال. فالتقدم والحتمية حسب هيجل خاصيتان مميزتان لأحداث التاريخ.

التصور المادي الجدلي: أطروحة كارل ماركس: التاريخ يتقدم نحو تحقيق المجتمع الشيوعي

يؤكد كارل ماركس على أن التاريخ البشري يسير وفق منطق جدلي، إنه صيرورة محكومة بقوانين جدلية وعلى رأسها قانون التناقض والصراع الطبقي بين (قوى الإنتاج = العمال) و (علاقات الإنتاج = أصحاب المصانع)، كمحرك فعلي للتاريخ الذي يسير في خط مستقيم وحتمي أساس التعاقب الجدلي بين أنماط الإنتاج التي تنتهي بقيام الشيوعية حيث تختفي التناقضات وتعيش الإنسانية بدون ملكية وبدون استغلال طبقي.

التصور البنيوي: أطروحة كلود ليفي ستروس

لا يرفض كلود ليفي ستروس فكرة التقدم في التاريخ لكنه يرى أن التقدم لا يسير بشكل منتظم ومتصل بل إن أحداث التاريخ هي عبارة عن قفزات وطفرات في اتجاهات متعددة. فالتاريخ لا يسير سيرا تقدميا تصاعديا بل هو حركة مبنية على القطائع والانفصالات بالإضافة إلى أن كل تاريخ أي مجتمع ما يتقدم وفق خصوصياته، فتاريخ الإنسانية حسب ستروس لا يشبه الفرد الذي يصعد سلما فيخطو خطوات في اتجاه مسار واحد بل يشبه لاعب النرد الذي يرمي بالمكعب رميات متعددة فيحصل على حسابات مختلفة غير متوقعة. يقول ستروس: " ليس هناك نظام علمي للتقدم، ولا أعتقد أن هناك اتجاها للتاريخ."

الموقف الفينومينولوجي: أطروحة ميرلوبونتي

يؤكد ميرلوبونتي على جدلية الضرورة والصدفة في مجرى التقدم التاريخي، إذ يعتبر أننا سنكون مخطئين إذا قلنا بالضرورة المطلقة أو بالصدفة المطلقة وأنه إذا تبين لنا بالفعل أن التاريخ يتقدم وفق منطق محدد وخاضع للضرورة فإن هذا لا يعني أن الصدفة والعرضية لا تلعب دورا في التاريخ. فتاريخ الإنسان هو أيضا ما يفاجئ ويكون غير متوقع.

تركيب:

من خلال ما سبق يتبين لنا أن إشكالية التقدم في التاريخ، قد أفرزت تصورين متعارضين: الأول يؤكد على اتصال كل أحداث التاريخ واتجاهها نحو غاية مطلقة وفق منطق تعاقبي وحتمي، وهو الموقف الجدلي. وتصور يؤكد على دور الصدفة والعرضية في رسم التاريخ الإنساني، وهو ما يؤكد عليه الاتجاه الفينومينولوجي والأنثروبولوجي.

 


 


الأحد، 21 يناير 2024

المحور الأول: المعرفة التاريخية

 

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا    " الشعبة الأدبية"

مجزوءة: الوضع البشري





إشكالية المحور:

كيف يمكن معرفة أحداث التاريخ؟ ماهي الصعوبات المنهجية التي تعترض المؤرخ؟

موقف ريمون آرون: تحليل منهجي للنص ص 45

أولا: التحليل

أفكار النص:

يعرف صاحب النص في الفقرة الأولى المعرفة التاريخية ويذكر أهم مميزاتها ويؤكد على أن المؤرخ تعترضه مجموعة كمن الصعوبات المنهجية، نظرا لوجود مسافة زمنية تفصل بين الماضي الذي انقضى وبين الحاضر المعاش.

يتنقل صاحب النص في الفقرة الثانية إلى التأكيد على صعوبة فهم الماضي من طرف المؤرخ المعاصر لأنه مليء بالدلالات غير المفهومة والخاصة بذلك المجتمع فقط أو تلك الفترة التاريخية فقط.

إن انهماك الإنسان على معرفة ماضي الآخرين الهدف منه هو جعل ذلك العالم مألوفا من خلال فهم كل تلك الدلالات، وهو ما يجعل حسب آرون معرفة الماضي معرفة تعترضها مجموعة من الصعوبات المنهجية.

مفاهيم النص:

المعرفة التلقائية: هي كل ما نعرفه بطريقة مباشرة وعفوية بدون توسط المنهج العلمي.

المعرفة التاريخية: هو كل ما نعرفه بطرقة غير مباشرة وهي تلك المعرفة المعتمدة على إعادة يناء الوقائع والأحداث السابقة اعتمادا على الأثار والوثائق والمنهج.

أطروحة النص:

إن إعادة بناء فهم الماضي هو عملية صعبة تتطلب مجهودا كبيرا نظرا لقلة الوثائق التاريخية وغرابة أحداث ووقائع الماضي بالنسبة لنا كأفراد نعيش الحاضر ونفهمه أكثر من هذا الماضي، هكذا تصبح معرفة الحاضر معرفة تلقائية في حين تكون معرفة الماضي معرفة صعبة ونسبية لا ترقى إلى مستوى العلمية، لأن محاولة فهم وتفسير حياة السابقين علينا تتطلب جهدا منهجيا.

ثانيا: المناقشة

أطروحة هنري إيريني مارو:

يعتبر مارو أن المعرفة التاريخية هي معرفة علمية دقيقة تقوم على أساس منهج منظم وصارم هدفه الكشف عن حقيقة الماضي الإنساني وليست عملا أدبيا أو سردا لأساطير أو قصص خيالية، أو حكايات شعبية...فالتاريخ ضد كل التمثلات العامية الخاطئة عن ماضي الإنسان.

ثالثا: خلاصة تركيبية

من خلال تحليل إشكالية المعرفة التاريخية، يتبين أن المواقف تضاربت بين اتجاه يؤكد على إمكانية تأسيس معرفة علمية دقيقة بالماضي كما يؤكد مارو، اتجاه يؤكد على الصعوبات المنهجية التي تعترض المؤرخ أهمها مشكل المسافة الزمنية بين الحاضر المعاش والماضي المستعاذ. وهو ما يؤكد آرون. ويمكن القول أن مشكل التاريخ كمجال معرفي دقيق لا ينفصل عن باقي العلوم الإنسانية، التي رغم طموحها لتحقيق الصرامة العلمية، لكن العوائق الإبستمولوجية المرتبطة بالماضي وبالوثائق وكذلك ذاتية الباحث تجعل الأمر معقدا وصعبا.



السبت، 20 يناير 2024

تأطير إشكالي لمفهوم التاريخ

 

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا ( الشعبة الأدبية)

مجزوءة: الوضع البشري

 




وضعية مشكلة:

" أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال. وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال. وتتنافس فيه الملوك والأقيال. ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال. وتضرب فيها الأمثال. وتطْرَفُ بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال. واتسع للدول فيها النطاق والمجال. وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال. وحان منهم الزوال. وفي باطنه نظر وتحقيق. وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق. فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق."

عبد الرحمان ابن خلدون، المقدمة، تحقيق عبد السلام الشدادي، بيت الفنون والعلوم والآداب، الدار البيضاء، 2005، الجزء الأول، ص9.

 

 في هذا النص يتحدث ابن خلدون عن فوائد علم التاريخ الكثيرة. ويميز بين ظاهر التاريخ الذي هو في نظره مجرد سرد لأخبار الدول والأمم السابقة، وبين باطن التاريخ وهو بحث في الأسباب والكيفيات التي تصير بها الوقائع، وهو ما يسميه بعلم العمران. لذلك نتساءل: لماذا يهتم الإنسان بالتاريخ؟ وكيف تتحرك الأحداث التاريخية؟ وما دور الإنسان فيها؟

تقديم إشكالي

يقصد بالتاريخ في الاصطلاح " تعريف بالوقت الذي تضبطه الأحوال والوقائع المرتبطة بالإنسان".

أما تعريفه الفلسفي فهو "سلسلة الأحداث والوقائع التي تنتهي إلى ما في الإنسانية."

ويتبين من خلال اشتغالنا على مفهوم الشخص والغير على أن الوضع البشري يتميز كذلك ببعد آخر هو البعد الزمني التاريخي.

ويشير التاريخ إلى كل الأحداث الماضية. وهو عبارة عن سيرورة فكل من الأنا والغير يخضعان إلى هذه السيرورة، باعتبارها مجموعة من التحولات والتغيرات التي تؤثر على الفرد وعلى المجتمع. فالإنسان كائن تاريخي بامتياز: يعي تاريخه (الوعي التاريخي). ويساهم في صنع أحداثه باعتباره مجال لحرية الإنسان. وهذا ما يضعنا أمام مجموعة من المفارقات:

أولا: يحيل التاريخ إلى أحداث الماضي وتتطلب المعرفة التاريخية استحضاره بناء تلك الأحداث في الحاضر.

ثانيا: تسير الأحداث التاريخية حسب ما يريده الإنسان لأنه صانعها أي أنها تخضع لمنطق ما لكنها أيضا تتعالى على الإنسان وتنفلت من قبضته فتسقط في الصدفة والعرضية.

ثالثا: يعي الإنسان تاريخه ويصنعه كمجال لتجديد حريته لكنه في المقابل خاضع للتاريخ وصنيعة له.

ويمكن من خلال هذه التقابلات والمفارقات صياغة الإشكاليات التالية:

أولا: إذا كان التاريخ يحيل إلى أحداث الماضي فيكيف يمكن معرفة أحداث مضت؟ وماهي الصعوبات المنهجية التي تعترض عملية بناء المعرفة التاريخية في الحاضر؟

ثانيا: هل الأحداث التاريخية تسير وفق منطق معروف سلفا منذ البداية أم أن أحداث التاريخ لا منطق لها وإنما هي نتيجة للصدفة والعرضية؟

ثالثا: ما هو دور الإنسان في التاريخ؟ هل الإنسان باعتباره كائنا حرا أم أن التاريخ هو الذي يصنع الإنسان؟

محاور المفهوم:

المحور الأول: المعرفة التاريخية

المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم

المحور الثالث: دور الإنسان في التاريخ



الجمعة، 19 يناير 2024

تـأطير إشكالي لمفهوم الغير


الفئة المستهدفة: 2 باك جميع الشعب
المجزوء: الوضع البشري




الوضعية المشكلة

في فيلم وحيد في العالم Seul au monde، نجد أن البطل بعد سقوط الطائرة التي تقله في البحر ونجاته عبر لجوئه إلى جزيرة، وجد نفسه وحيدا، في غياب تام للغير وهو ما جعله يبحث عن شخص آخر يتواصل معه ويخرج من عزلته الوجودية، لذلك صنع دمية سماها ويلسون باعتبارها كائنا آخر تواصل معه ويؤنس وحدته.

يبين هذا الشريط السينمائي، حاجة الغير للتواصل وعدم قدرة عيش تجربة عزلة وجودية مفروضة بدون حضور الآخرين.

لذلك نتساءل: هل من الممكن العيش بدون الغير؟ وهل يكفي التواصل لاكتشاف الغير ومعرفته؟ وما العلاقة التي يجب أن تتأسس معه؟

تقديم إشكالي للمفهوم:

من الدلالات إلى طرح الإشكالية:

الدلالة الفلسفية: " الغير هو أنا بالنسبة لي وهو أنت بالنسبة لي"

المفارقات:

ضروري لوجودي / مصدر تهديد، يشبهني (مماثل) / يختلف عني (غامض)    غيابه عقاب لي / حضوره جحيم

من خلال المفارقات أعلاه نستنتج مجموعة من التساؤلات:

تساؤلات المفهوم:

أولا: هل الغير ضروري لوجودي أم هو تهديد لي ؟

ثانيا: هل يمكنني معرفة حقيقة الغير ؟

ثالثا: كيف يجب  أن  تكون علاقتي بالغير ؟

محاور المفهوم:

المحور الأول: وجود الغير

المحور الثاني: معرفة الغير

المحور الثالث: العلاقة مع الغير



الخميس، 18 يناير 2024

المحور الثالث: العلاقة مع الغير


الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا جميع الشعب

المجزوءة: الوضع البشري

المفهوم: الغير




إشكالية المحور: هل العلاقة مع الغير هل هي علاقة صداقة وحوار وغيرية أم علاقة غرابة وصراع؟

التصور الهيجلي: ألكسندر كوجيف (علاقة صراع وهيمنة لنزع الاعتراف)

يرى كوجيف أن العلاقة بين الأنا والغير علاقة صراع دائم يتأسس على مبدأ الهيمنة والرغبة في نزع الاعتراف، فكل من الأنا والغير يسعى لنزع الاعتراف به كذات حرة وواعية، إلا أن هذا الاعتراف لا يمنح بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع يخاط فيه الطرفان معا بحياتهما حتى الموت، ولكن الموت الفعلي لا يحقق هذا الاعتراف، وإنما يحققه استسلام أحد الطرفين بتفضيله لحياة التبعية على الموت والفناء.

التصور الوضعي: أوغست كونت (علاقة تكامل وتضامن)

يعتبر أوغست كونت أن الإنسان مدين للإنسانية بحياته وثروته ومعارفه...فما كان له أن يحافظ على بقائه ويبلغ أشده لولا الحماية التي وفرها له الآخرون من آباء وأبناء وأصدقاء...إن وصول الإنسان إلى الحالة الوضعية، التي تمثل حالة نضج العقل البشري، تحتاج إلى تجاوز المصالح الشخصية والسعي لتحقيق المصالح العامة المشتركة، الشيء الذي يقتضي انفتاح الأنا على الغير ونسج علاقات تكامل وتعاون معه.

التصور النفسي: جوليا كرستيفا (علاقة الأنا بالغير علاقة صداقة)

ترفض جوليا كرستيفا، اعتبار الغريب هو ذلك الدخيل الأجنبي الذي يهدد وحدة الجماعة وانسجامها.  وتؤكد بالمقابل أن الغريب حقا، هو ذلك لذي يسكن دواخلنا هلة نحو غريب، إنه ذلك المكون اللاشعوري المعبر عن تناقض الذات وتمزقها. الشيء الذي يفرض على الأنا أن تتخلى عن كل أشكال النبذ والإقصاء والتهميش تجاه الغير الغريب، وتسعى جاهدة لنسج علاقات صادقة معه، أساسها الحوار ولتسامح والاحترام المتبادل.

خلاصة تركيبية:

من خلال الاشتغال على مفهوم الغير، يتبين أن إشكالاته مرتبطة بالمحدد العلائقي في الوجود الإنساني. فرغم حاجة الذات للآخر، إلا أن هذه الحاجة تصطدم برهانات محافظة الذات على أصالتها في وجه محاولة تشييئها أو السيطرة عليها أو الحجر على حريتها. وكذا في رهان معرفة الذات للآخر، هل هذه المعرفة ممكنة سواء كان الآخر قريبا، لغويا أو أسريا أو ثقافيا، أو بعيدا ثقافيا وحضاريا، لأن هذه المعرفة تظل محصورة في إطار افتراضات ذاتية تسقط على الآخر، ولكن قد تكون هذه المعرفة ممكنة، إن أخذنا بعين الاعتبار المماثلة بين الذوات، وهو ما يسقطنا في إشكالية محو الأصالة الشخصية. إن إشكالية وجود ومعرفة الغير هو ما يفتح النقاش حول العلاقة مع الغير، خاصة مع الغير " البعيد" ثقافيا والمختلف، هل الاختلاف في الذين واللغة واللون والانتماء والعرق يشكل حاجزا أزليا أمام أي تواصل. هنا تؤسس الفلسفة لخطاب مبني على الإنسانية التي تنتفي معها كل الحواجز لصالح تأسيس علاقة قائمة على الغيرية أو كذلك على الصداقة ضد كل نزعات الانغلاق التي لا تؤدي إلى العنف والتطرف. 




الثلاثاء، 16 يناير 2024

المحور الثاني: معرفة الغير

الفئة المستهدفة : 2 بكالوريا جميع الشعب



مجزوءة : الوضع البشري

مفهوم: الغير 

تأطير إشكالي:

يقصد المعرفة الفعالية الفكرية التي يدرك من خلالها الفكر موضوعا ما، سواء كان موضوعا جامدا أو ذات أخرى.  ويعالج هذا المحور قضية معرفة الغير، ويحيل هذا الإشكال على عدة مفارقات: الذات/الموضوع، الجانب الداخلي/الجانب الخارجي، معرفة يقينية / معرفة نسبية.

من خلال هذه المفارقات نستنتج مجموعة من التساؤلات: هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ إن كان الجواب بالإيجاب فكيف يتم ذلك؟

التصور الوجودي: معرفة الأنا للغير معرفة مستحيلة 

يؤكد سارتر على استحالة معرفة الأنا للغير بسبب النظرة التشييئية، فالأنا تنظر إلى الغير كموضوع خارجي وتسلبه كل معاني الوعي، والإرادة والمسؤولية، فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية، وما أن ينتبه إلى أن أحدا ما يراقبه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. إن حالة التحول هاته هي التي تجعل من معرفة الأنا للغير معرفة خارجية وسطحية لا ترقى إلى المعرفة اليقينية الحقة.

التصور العقلاني: نيكولا مالبرانش معرفة الأنا للغير معرفة تخمينية

يؤكد مالبرانش على صعوبة معرفة الغير لأنه ذات أخرى مختلفة عنا، وأقصى ما يمكن بلوغه هو محاولة إسقاط فرضيات تدعي أن ما نشعر به هو نفسه ما يشعر به الآخرون مادام أنهم من نفس فصيلتنا، إلا أن مبدأ الإسقاط والمماثلة هذا، ليس فعالا لمعرفة الغير، خاصة، حين يتعلق الأمر بالأحاسيس والانفعالات الذاتية. وبالتالي فمعرفة الغير تظل معرفة احتمالية تخمينية وليست معرفة يقينية، مادام أن الأنا لا تستطيع أن تنفذ إلى أعماق الغير لإدراك حقيقة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته.

التصور الفينومينولوجي : موريس ميرلوبونتي

يرى ميرلوبونتي أن نظرة الغير لا تحول الأنا إلى موضوع، كما أن نظرة الأنا إل الغير لا تحوله إلى موضوع، إلا إذا كان أحد الطرفين مجهولا بالنسبة إلى الآخر أو متعاليا عليه، ولكن ما أن يهم الغير بالحديث إلى الأنا أو العكس، حتى ينشأ نوع من التواصل والحوار بينهما، مما يؤدي إلى تحقيق معرفة يقينية ببعضهما البعض، أساسها التعاون والمشاركة. فالأنا ، حسب ميرلوبونتي، قادرة على معرفة الغير، والنفاذ إلى أعماقه إذا تخلت عن تعاليها، وحققت شرط التواصل اللغوي والوجداني معه، واعترفت به كذات واعية، حرة ومستقلة.


الاثنين، 15 يناير 2024

المحور الأول: وجود الغير

الفئة المستهدفة: 2 باك جميع الشعب

المجزوءة: الوضع البشري

المفهوم: الغير



أولا: تقديم إشكالي

من خلال الفيلم المذكور، وحيد في العالم Seul au monde، نجد أن البطل بعد سقوط الطائرة التي تقله في البحر ونجاته عبر التجائه إلى الجزيرة، وجد نفسه وحيدا، في غياب تام للغير وهو ما جعله يبحث عن شخص آخر يتواصل معه ويخرج من عزلته الوجودية، لذلك صنع دمية باعتبارها كائنا آخر. انطلاقا من هذه الوضعية نتساءل:

هل الغير ضروري م غير ضروري؟

هل وجود الغير تهديد لي أم مصدر سعادة؟

ما تأثير الغير على الشخص؟ هل وعيي بذاتي يمر عبر الغير؟

أولا: مطلب التحليل

التصور الوجودي: أطروحة مارتن هايدجر 1889-1976م: الغير تهديد

إشكالية النص:

هل وجود الغير تهديد للشخص أم هو ضروري لوجوده؟

أطروحة النص:

إن حضور الغير في علاقته بالأنا هو هو افراع للذات من خصوصيتها وكينونتها التي تتميز بها عن الآخرين، وبالتالي يذوب كل الاختلافات التي تميزه عن الآخرين وينصهر بذلك في الحياة المشتركة كأنه لا أحد.

شرح الأطروحة: أفكار النص

يميز هايدجر بين الوجود مع الغير MITSEIN  والوجود- هنا أي الوجود الفردي DASEIN، ففي النمط الأول يفقد الإنسان كينونته وأصالته وجوهره، أي يفقد ما يميزه باعتباره شخصا فريدا، وذلك من خلال انصهاره في الحياة الاجتماعية المشتركة ( مثل الألعاب، قراءة الكتب والجرائد، مشاهدة الأفلام، ركوب وسائل النقل العامة...) إن هذا النمط إذن هو تهديد لأصالة الفرد  وبالتالي يسقط في عالم زائف  ويعيش وجودا زائفا، أما في النمط الثاني الذي يسميه هايدجر بالوجود الأصيل، فالشخص يكون أمام نفسه وكنونته، بمعنى أنه يكون في حالة تفكير دائم في مصيره باعتباره وجد ليموت.

ثانيا: مطلب المناقشة

مناقشة داخلية:

تمرين: تتجلى قيمة النص في تأكيده على تهديد الغير خاصة في المجتمعات المعاصرة، التي أصبحت مجتمعات جماهيرية، تنتفي فيها ذاتية الفرد لصالح النسق الرأسمالي الاستهلاكي. أما من الناحية التاريخية فأطروحة هايدجر تعبير عن التصور الوجودي الذي يعلي من قيمة الفردية في ظل سيادة الأنظمة المغلقة سواء الرأسمالية أو الاشتراكية خلال القرن 20.

مناقشة خارجية

أطروحة جون بول سارتر: الغير تهديد لكن لا غنى عنه لمعرفة الذات.

يؤكد جون بل سارتر على أن وجود الغير ضروري لوجود الأنا لكي تحقق وعيا بذاتها، ورغم أن وجود الغير يحد من وجود الأنا ويفقدها حريتها وتلقائيتها من خلال النظرة التي تحول الشخص إلى موضوع أو شيء، لكن رغم هذا التهديد يبقى الغير الوسيط الذي لا غنى عنه لوعي الذات بذاتها، وحالتها النفسية والسلوكية كتجربة الخجل الذي لا يشعر به الشخص إلا في وجود الغير يقول سارتر: " أنا عبد بالقدر الذي يرتبط به وجودي بحرية ليست هي حريتي لكنها الشرط الأساسي في وجودي."

أطروحة فردريك هيجل: الغير تهديد

حسب هيجل كل شيء في العالم يمر عبر الصراع والجدل، حتى وعي الشخص بذاته وتحقيق وجوده والاعتراف به كوجود حر، فالاعتراف لا يُعطى مجانا بل إنه يمر عبر عملية من الصراع الجدلي بين ذاتين تحاول كل واحدة منهما أن تتغلب على الأخرى وهو ما يسميه هيجل ب " جدلية العبد والسيد"، بمعنى أن كل واحد يدخل في معركة حتى الموت لنزع الاعتراف به كسيد، أما الطرف الآخر المنهزم يتحول إلى عبد مفضلا التبعية على الموت.

رابعا: مطلب التركيب

    من خلال ما سبق نستنتج أن إشكالية وجود الغير قد أفرزت مجموعة من المواقف. فمن جهة يؤكد هايدجر على تهديد الغير لأصالة الشخص. ومن جهة يؤكد الفيلسوف سارتر على أهمية وجود الغير رغم تهديده، لكي يكتمل وعي الذات بذاتها. أما الفيلسوف هيجل فيؤكد على تهديد الغير للذات من خلال رغبة كل طرف في إخضاع الآخر. أما من وجهة نظري أجد أن لكل موقف ما يبرره من الناحية الفلسفية والتاريخية، لذلك فوجود الغير لا يمكن حسمه كتهديد أو كضرورة، لأن طبيعة العلاقة بين الذات والغير هو المحدد، فعلاقة الأمومة تختلف مثلا عن علاقة الأخوة أو علاقة العمل أو علاقة التلمذة أو علاقة الزوجية. فلا يمكن النظر لوجود الغير إلا من خلال زاوية الوضع الذي يحدد الذات بالآخر. وعلى ضوء ذلك يمكن القول تهديد أو ضرورة.

وفي الأخير نتساءل: هل يمكن معرفة الغير؟



 


الأحد، 19 فبراير 2023

المحور الثالث : الشخص بين الضرورة والحرية

 

الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا

الشعبة أو المسلك: جميع الشعب والمسالك

 


 تحليل منهجي لنص جون بول سارتر:

 ( الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة)

أولا: مطلب الفهم

يتأطر النص ضمن مجزوءة الوضع البشري، تحديدا مفهوم الشخص. كما يعالج قضية الشخص بين الضرورة والحرية. ويمكن صياغة إشكاله على النحو التالي:

هل الشخص حر؟ وما الذي يحدد ماهيته؟ وكيف يصنع الإنسان نفسه عبر الحرية؟

ثانيا: مطلب التحليل

 يؤكد صاحب النص على أطروحة فلسفية مفادها أن الإنسان لا تتحدد ماهيته قبل وجوده إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته من خلال تجاوزه لوضعيته، عبر الشغل والفعل والحركة (PRAXIS).

 وبمثل هذا الموقف تجاوز للفلسفات الحتمية التي تنفي حرية الإنسان (الماركسية، البنيوية، علم الاجتماع، التحليل النفسي...). الإنسان يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويتجاوزها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل والحركة. ينطلق النص من الحديث عن الحرية والاختيار التي يراها هي  الخطوة نحو التموضع في المستقبل والتي تفتح المجال للإنسان، أي أن حريته واختياراته هي التي تحدد  تموضعه. يعتبر سارتر أن المنهج الذ يختزل الإنسان في بعد واحد مطلق، يكون قد أغفل أبعاده  الحقيقية الأخرى التي تحدد ماهية الإنسان. وبالتالي المنهج الجدلي كما يراه سارتر فهو يعطي للذات أهميتها لكن دون أن ينفي الواقع.

وظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم الأساسية هي:

التعالي: هو خاصية الذات التي لا تنفصل عن حريتها، ويرتبط بقصدية الوعي بقدته على الإحالة إلى ما هو خارج الوعي.

المشروع: هو مفهوم اقتصادي في الأصل ووظف في المجال الفلسفي عندما يعتبر الإنسان مشروع قد يكون الإنسان موضوعه أو قد يكون المجتمع هو صاحب هذا المشروع. 

الإرادة: صفة تميز الطبع وهي قرار الفعل أو عدم الفعل وبالتالي القدرة على التصرف تبعا لما يمليه العقل. 

 المنهج الجدلي: وهو عملية أو صيرورة بمثابة قانون تحكم الفكر والواقع عن طريق الصراع بين الأفكار وتنتقل من أطروحة إلى نقيضها ثم إلى التركيب. 

الحرية: هي القدرة على الفعل من أجل التموضع في المستقبل ويربط سارتر الحرية بالمسؤولية.

إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط، لأن الشخص يحقق مشروعه من خلال الحرية والإرادة التي تمكنه من التعالي على الواقع بطريقة جدلية.

 الأساليب الحجاجية:

لقد وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب والحجج للدفاع عن أطروحته:

حجة المقابلة: ذات / آخر، بسيط/مركب، الحتمية/ الحرية، حرية مطلقة/ حرية صنمية.

حجة التعريف: حيث يعرف الإنسان من خلال قوله: " الكائن المادي الذي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها."

حجة النفي: من خلال نفيه صفة الصنمية عن الحرية. " لا يمكن، لا علاقة لها بهذا العالم".

ثالثا: مطلب المناقشة

تتجلى قيمة النص في كونه يدافع عن الحرية بشكل كبير التي يربطها بالمجتمع حيث يحقق الشخص

 ذاته باعتباره مشروعا. ويمثل هذا الموقف تجاوزا للأطروحات " الحتموية" القائلة بأن الإنسان غير حر

 مثل الماركسية البنيوية والتحليل النفسي والنظريات الاجتماعية الحتمية... وذلك خلال القرن 20م.

أما في اتجاه معاكس للنص نجد تصور التحليل النفسي لسيجموند فرويد حيث ترتبط حرية الشخص بضرورات وإكراهات نفسية حيث يصير الأنا مجرد تابع خاضع لإملاءات اللاشعور ولبنية الجهاز النفسي.

أما الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا فيؤكد في نفس الاتجاه أن الشخص محكوم بالضرورة الطبيعية، والتي تحكم كل الموجودات، وما اعتقاد الشخص بأنه حر سوى وهم لأنه يجهل الأسباب التي تتحكم في أفعاله.

 خامسا: مطلب التركيب

من خلال تحليلنا ومناقشتنا للنص يتبين لنا أن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية قد أفرزت مجموعة من المواقف الفلسفية، فمن جهة يؤكد النص على أن الشخص يتمتع بحرية مطلقة في اختياراته من خلال الحركة والممارسة. ومن جهة أخرى يؤكد الفيلسوف اسبينوزا على دور الضرورة الطبيعية في تحديد السلوك الإنساني. فرويد فيؤكد على خضوع الفرد للحتمية النفسية للاشعور. أما من وجهة نظري فإنني أجد أن تعدد المواقف الفلسفية لا يؤكد إلا تعقد الإشكالية، وهو ينم ويعبر عن طبيعة الفكر الفلسفي القائم على تعدد وجهات النظر فكل موقف صحيح من ناحية ما بالتالي فكل هذه المواقف متكاملة فيما بينها رغم تناقضها الظاهري. وفي الأخير نتساءل: هل يحد الغير من حرية الشخص؟