الأربعاء، 14 فبراير 2024

تقديم إشكالي لمفهوم الوعي:

 الفئة المستهدفة: أولى بكالوريا " جميع الشعب"

المادة: الفلسفة

المجزوءة: الإنسان



تقديم إشكالي:

الوضعية المشكلة


إذا كنا يقظين، نصغي إلى الأصوات القريبة والبعيدة، ونرى المسافات الشاسعة تحتوينا كما يحتوي الجو ذرات الغبار، ونشعر إلى ذلك بأن الأشجار تستمد عصارتها من دمنا والأزهار تعكس ألوان وجوهنا، وجدنا أننا في الواقع ملتقى قوى هائلة دقيقة تفعل في وعينا، وأن وعينا تغزوه الآلام فتزيد من نشاطه ومدته. وبذلك نصل في النهاية إلى القول إن ما يكفيه من الحياة هو الاستزادة من الوعي بها عن طريق القوى الهائلة الدقيقة فينا، من حسية وعاطفية وفكرية.

جبرا إبراهيم جبرا، أقنعة الحقيقة وأقنعة الحياة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1992، ص 14 و15.

تحليل الوضعية المشكلة:

يصف لنا النص مختلف الضغوطات التي تمارس على الوعي الإنساني، والتي تزيده قوة وصلابة. إن الحياة بأكملها تتغدى على هذا المنبع الحسي (ما نحس به) والوجداني ما نكنه في دواخلنا) والفكري (ما نفكر به).

تساؤلات:

هل وعينا فقط هو أساس تجربتنا الإنسانية؟ أليس هناك جانبا آخر من ذواتنا هو ما يحدد سلوكنا؟

هل نعرف أنفسنا حقا؟

ألا يمكن القول بأن وعينا ليس إلا وهما؟

 

التحديد المفاهيمي:

الدلالة العامة: اليقظة/ الغيبوبة، الانتباه/ الغفلة واللامبالاة.

الدلالة اللغوية: كلمة الوعي conscience مشتقة من الكلمة اللاتينية    conscienta وتعني شعور مصحوب بمعرفة

الدلالة الفلسفية: المعرفة التي يمتلكها الإنسان عن نفسه وعن العالم المحيط به.

يمكن تصنيف الوعي إلى ثلاثة مستويات:

أولا: الوعي البسيط Conscience spontané (العفوي والتلقائي): وهو الوعي بالأشياء، وهولا يتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا.

ثانيا: الوعي السيكولوجي Conscience psychologique: هو الوعي بالذات من خلال الحواس والذاكرة.

ثالثا: الوعي التأملي Conscience réfléchie: وهو الوعي بالذات لكن بناء على الحواس وعلى العقل والخيال والاستبطان (التعمق في سبر أعماق النفس).

رابعا: الوعي الحدسيConscience intuitif: المعرفة التي تتم دون وساطة الحواس أو العقل، هو بمثابة الوعي الفجائي الذي يجعلنا ندرك دون البرهنة على ذلك.

خامسا: الوعي الأخلاقيConscience morale: يسمح لنا بإصدار أحكام قيمة على سلوكات نرفضها بناء على قناعات أخلاقية.

أستنتج: تعدد دلالات مفهوم الوعي وبالتالي عدة مفارقات تؤكد الطابع الإشكالي لهذا المفهوم:

الإدراك الحسي/ الإدراك العقلي، الوعي الذاتي / الوعي الجمعي، الوعي / اللاوعي، الوعي / الوهم

أتساءل إذن:

أولا: ما هو الوعي؟ هل هو إدراك حسي مباشر أم شعور ذاتي خالص؟

ثانيا: هل أفعال الإنسان تصدر عن وعي شفاف وما دور اللاوعي في ذلك؟

ثالثا: كيف يصبح الوعي الجمعي وهما؟ 



 

الثلاثاء، 13 فبراير 2024

تأطير إشكالي للمجزوءة: ماهو الإنسان؟

 

الفئة المستهدفة: 1 باك " جميع الشعب"

المادة: الفلسفة

المجزوءة : الإنسان



يعتبر سؤال الإنسان من أهم الأسئلة التي تهتم بها الفلسفة منذ نشأتها في اليونان مرورا بالعصر الحديث والفترة المعاصرة. وقد شكل هذا الموضوع مشكلة الفلسفة الأولى باعتبار أن الإنسان هو الكائن الوحيد

 الأكثر تطورا بين الكائنات الأخرى وبالتالي، القادر على الوعي بذاته والوعي بالعالم. وقد عُرف الإنسان بطرق متعددة:

 كالقول بأنه " الحيوان الصانع Homo Faber "إلى تعريفه ب"الحيوان المفكر  Homo Sapiens" مرورا بتعريفه ب    "الكائن الاجتماعي". ويعتبر الفيلسوف سقراط Socrate ( 470 ق.م- 389 ق.م) أول من دعا الإنسان إلى أن يعرف ذاته لأن معرفة الذات هي السبيل إلى معرفة حقيقة الأشياء يقول سقراط : " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك، لتعرف الكون وتعرف الله" وقبله جعل السفسطائي بروتاغوراس " الإنسان مقياس كل شيء موجود وغير موجود". ليأتي بعد ذلك أرسطو ليضع الحدود بحثا عن ماهية الإنسان باستعمال قواعد الفكر والمنطق الأساسية. انتقلت الفلسفة مع الفيلسوف الألماني فردريك هيجل من طرح سؤال ما الإنسان؟ الذي ينزع إلى المقاربة الميتافزيقية الكلاسيكية إلى طرح السؤال من هو الإنسان؟ في الفلسفة المعاصرة لتحديد الإنساني في الإنسان.

إن حديثنا عن الإنسان هو حديث عن جوهره أساسا أي ماهيته وحقيقته. باعتباره يعيش في العالم ويدركه، ويلبي رغباته داخله وينتمي إلى مجتمع ويتكلم لغة ويعيش مع شعوب أخرى لكن في نهاية المطاف يبقى أعظم كائن لأنه الكائن الذي يعي ويعي أنه يعي. فهو مجرد قصبة لكن عظمته أنه "قصبة تفكر" كما يقول الفيلسوف بليز باسكال (1623.1662م).

مفارقات :

وبالتالي فالإنسان تتجاذب عدة ثنائيات من بينها: العقل/ اللاعقل، الوعي/ اللاوعي، الحقيقة/ الوهم الفطري/ المكتسب، الوحدة/ التعدد. الفرد/ الجماعة.

تساؤلات:

نتساءل إذن: ما هو الإنسان إذن؟ وكيف يدرك العالم؟ وكيف يوفق ما بين غرائزه الطبيعية ورغباته وما بين التزاماته تجاه المجتمع الذي يعيش داخله باعتباره كائنا اجتماعيا؟



 

 

 

 

 

الأربعاء، 7 فبراير 2024

المادة: الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باك " الشعبة الأدبية"

مجزوءة: المعرفة

مفهوم: مسألة العلمية في العلوم الإنسانية



نموذج تحليل قولة فلسفية  مرفقة بسؤال:

" إن العلوم الإنسانية تجد نفسها في وسط الطريق بين التفسير والتنبؤ"

حلل هذه القولة مبرزا المنهج الملائم لدراسة الظاهرة الإنسانية هل هو التفسير أم الفهم؟

المقدمة:

        حاول الإنسان منذ أن وجد فهم وتفسير الظواهر المحيطة به، لذلك يسمى بالكائن العارف، ولقد بدأت محاولاته الأولى في تفسير العالم منذ نشأة الفلسفة في اليونان التي تجاوزت التفسيرات الأسطورية (الميتوس)، وذلك من خلال اعتماد العقل والبرهان (اللوغوس)، لكن رغم هذه المحاولة إلا أن الفلسفة لم تستطع إعطاء حقائق يقينية نهائية نظرا التجريدي والتأملي. وهذا ما حاولت العلوم تداركه بانفصالها عن الفلسفة خلال القرن 17م، وقد حققت نتائج باهرة وذلك باعتماد النظرية (الرياضيات) والتجربة. وقد حاولت العلوم الإنسانية إنتاج معرفة علمية عن الإنسان، خلال القرن 19م، بعد انفصالها بدورها عن الفلسفة، لكن اعترضتها مجموعة من العوائق الإبستمولوجية، وأهمها تلك المتعلقة ب"المنهج". والقولة الماثلة أمامنا، تندرج ضمن هذا الإطار الإشكالي أي "مجال إنتاج المعرفة العلمية حول الإنسان". وتعالج بالتحديد قضية التفسير والفهم في العلوم الإنسانية." ويحيل على عدة مفارقات: الذات/الموضوع، التفسير/الفهم السبب/ النتيجة، الثابت / المتغير...

وبناء على هذه المفارقات نستنتج التساؤلات التالية:

ما هو المنهج الملائم لدراسة الظواهر الإنسانية؟ هل هو منهج الفهم؟ أم منهج التفسير؟ هل الظاهرة الإنسانية تفسر وبالتالي تخضع لقانون السببية مثلها في ذلك مثل الظاهرة الطبيعية؟ أم أن الظاهرة الإنسانية تفهم؟ نظرا لخصوصيتها؟ ألا يمكن حينما نستعمل منهج الفهم أن نسقط في الذاتية وبالتالي تغيب عنا الموضوعية التي هي أساس العلمية؟

مطلب التحليل:

           جوابا على هذه الأسئلة المطروحة أعلاه، يؤكد صاحب القولة على أن العلوم الإنسانية تتأرجح بين التفسير والتنبؤ، أي أنها تبقى وسط الطريق، عكس العلوم الحقة التي حققت تقدما بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ، وهو الأمر الذي يجعل العلوم الإنسانية في وضعية إبستمولوجية غير مستقرة.

معنى ذلك أن الظاهرة الإنسانية لا يمكن تفسيرها، بطريقة منهجية، كما أن المشتغل في حقل العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يعمم النتائج المتوصل إليها، أي انه لا يستطيع التنبؤ بالظاهرة

وقد استثمر صاحب القولة جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها مفهوم العلوم الإنسانية، ويقصد بها العلوم التي تدرس الإنسان، كعلم الاجتماع وعلم النفس. والتي ظهرت خلال القرن 19م على يد الوضعيين أمثال (كونت، دوركهايم..)، وحاولت تأسيس معرفة علمية للظواهر النفسية والاجتماعية والتاريخية. وكذلك مفهوم التفسير الذي يقصد به الكشف عن الأسباب والعلاقات المتحكمة في ظاهرة ما. ومفهوم التنبؤ وهو افتراض حدوث ظاهرة محددة بناء على قانون سببي.

إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تقابل وتعارض. لأن العلوم الإنسانية تظل في وضعية ابستمولوجية بين التفسير والتنبؤ.

برجوعنا إلى القولة نجدها تؤكد على أن العلوم الإنسانية تظل في وضعية ابستمولوجية متأرجحة بين التفسير والتنبؤ، وبالتالي لا تستطيع أن تقتدي بالعلوم الطبيعية لأن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تفسر وتنبؤ في نفس الوقت، وهذا ما تعجز عنه العلوم التي تعنى بالإنسان لأن وضعيتها الإبستمولوجية معقدة نظرا لتداخل الذات والموضوع أو ما يسميه بياجي ب " تمركز الذات حول ذاتها"، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وقوف العالِم الإنساني في منتصف الطريق بين التفسير والتنبؤ.

ونجد لهذه القولة حضورا قويا عند الأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس، الذي يؤكد على أن العلوم الإنسانية لم تستطع لحد الآن، المضي بعيدا، فهي لا تقدم سوى تفسيرات فضفاضة وعامة تفتقد للدقة والموضوعية اللازمة في مجال العلم الحق. كما أنها لا تستطيع التوقع بشكل يقيني وأكيد. والسبب في ذلك راجع إلى الوعي، فالوعي بالظاهرة الإنسانية مكن من تحقيق الفصل بين الذات والموضوع. لكن هذا الوعي يكون سلبيا في حالة الموضوع الملاَحظ، فالإنسان حينما يحس أنه موضوع ملاحظة تجريبية قد يغير ذلك من مسار التجربة ويؤثر على موضوع الدراسة.

فمثلا عندما حاول دوركهايم تفسير ظاهرة الانتحار من وجهة نظر اجتماعية، فإننا لا يمكن أن نقول بأن نظريته صحيحة مائة في المائة، رغم بيان أسباب الانتحار فإننا لا يمكن أن نقول بأن نظرية صحيحة مائة فالمائة رغم بيان أسباب الانتحار فإننا لا نستطيع القول إن التفسيرات التي قدمها دوركهايم ترقى لمستوى الحقيقة العلمية الموضوعية.

أما في العلوم الحقة فهي على العكس تماما فبفضل المنهج التفسيري نستطيع أن نكشف عن أسباب الظاهرة ونتنبأ بها في نفس الوقت. فمثلا تبخر الماء، دوران الكواكب، سقوط الأجسام، ظاهرة الكسوف والخسوف...

من خلال تحليل هذه القولة يتبين لنا إذن أنها تراهن على أن المنهج التفسيري تعترضه مجموعة من العوائق الإبستمولوجية أهمها عجزه عن التنبؤ، وعدم دقته تفسيراته، إذن نتساءل: هل هذا معناه أن الإنسان لا نستطيع تفسير سلوكه وبالتالي وجب فهمه وبالتالي فالمنهج التفهمي هو المنهج الملائم لدراسة العلوم الإنسانية؟

مطلب المناقشة:

         قبل الخوض في مناقشة هذه القولة لابد من التأكيد أولا على قيمتها الفلسفية والتاريخية. فهي تعبر بوضوح عن موقف بنيوي معاصر، يؤكد على المنهج التفسيري تعترضه صعوبات كما أنها تعبر عن رأي واحد من أهم المشتغلين في حقل العلوم الإنسانية وهو كلود ليفي ستروس، فهذا الموقف إذن يعبر عن موقف واحد من المشتغلين في حقل العلوم الإنسانية خاصة الأنثروبولوجيا الثقافية وقد مارس عمله في الميدان لمدة طويلة.

لكن رغم أهمية هذه القولة إلا أن هناك مجموعة من المواقف الأخرى، فمن جهة يؤكد الاتجاه الوضعي ( إميل دوركهايم، أوغست كونت) على أن الإنسان قابل للتحديد العلمي الدقيق مادام جزءا من الطبيعة لذلك فهو يخضع لقوانين الطبيعة ويقبل التجريب، لذلك في فإن الظاهرة الإنسانية قابلة للتفسير السببي مثلها مثل باقي العلوم وهو ما حاول دوركهايم تطبيقه على مجموعة من الظواهر الإنسانية التي درسها باعتماد مؤشرات إحصائية ودراسات ميدانية تجريبية وفي اتجاه آخر يحضر موقف كارل بوبر الذي يؤكد بدوره على صعوبة تطبيق منهج التفسير لأن في نظره المنهج الملائم هو منهج الفهم، لأن الإنسان يُفهم ولا يُفسر، والظواهر المرتبطة به ليست ثابتة، بل إنها متغيرة باستمرار في الزمان والمكان فهي تتميز بالحركة  والتغير والنسبية التاريخية، الشيء الذي يجعل منها ظواهر غير قابلة للتفسير العلمي والدراسة.

مطلب التركيب:

          من خلال تحليلنا ومناقشتنا للقولة نخلص إلى أن إشكالية التفسير والفهم في العلوم الإنسانية قد أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، فمن جهة يوكد صاحب القولة على صعوبة التفسير السببي، إلا أنه من جهة أخرى يعتبره الوضعيون منهجا مناسبا، أما كارل بوبر فإنه يعتبر أن المنهج المناسب هو منهج الفهم وليس منهج التفسير وربما هو الموقف الذي يثبت صحته نظرا لأن الإنسان كائن متعدد الأبعاد. وليس كائنا ذو بعد واحد كما يقول الفيلسوف الأمريكي هربرت ماركيوز. وفي الأخير نتساءل: هل معيار قياس علمية النظريات في العلوم الإنسانية هو مقارنتها بالعلمية الخاصة بالعلوم الحقة؟

الجوانب الشكلية :  تنظيم الورقة +  اللغة + تماسك الموضوع

 

 


الثلاثاء، 6 فبراير 2024

 المادة: الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باك 

النص:

" تكمن التربية في عملية التنشئة الاجتماعية الممنهجة، التي يتلقاها الجيل الشاب. يمكن القول، إنه داخل كل واحد منا، يوجد كائنين لا يمكن الفصل بينهما إلا على المستوى التجريدي. أحدهما يتكون من كل الحالات الذهنية التي لا ترجع إلا إلى ذواتنا وإلى الأحداث المتعلقة بحياتنا الشخصية: وهذا ما نسميه بالكائن الفردي. والآخر هو عبارة عن نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة، بل بالجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، تلك هي المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها. ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون الكائن الاجتماعي، ودور التربية هو تكوين هذا الكائن بداخلنا."

Emile Durkheim : Education et sociologie, Librairie Fant 7, 2006. P 17 -19 – 20.

                           حلل (ي) النص وناقشه (يه).

مطلب الفهم:

وجب تأطير النص ضمن إطاره العام المتعلق بمجزوءة الوضع البشري، ثم مجاله الخاص المرتبط بمفهوم الشخص ثم تحديد القضية الأساسية التي يعالجها وهي قضية الهوية الشخصية، وتضمين ذلك في شكل تمهيد مناسب يتضمن مفارقة. أي لابد أن يعطي التمهيد المبررات الكافية لطرح الإشكالية تعطي المبرر الكافي لطرح الإشكالية المتعلقة بالهوية الشخصية.

نموذج مقترح لكتابة المقدمة: 

من خلال القراءة الأولية للنص، وانطلاقا من بعض المفاهيم الواردة فيه (الكائن الفردي، الجماعة، الكائن الاجتماعي...)، ستبين لنا بأنه يتأطر ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة الوضع البشري، ويقصد بالوضع البشري مختلف المحددات التي الأساسية الفردية والغيرية والزمانية، التي تحدد وتحصر الوجود الإنساني في العالم، ويتسم هذا الوضع بالتداخل والتركيب بين كل هذه المحددات، ويحيل النص على مفهوم الشخص بما هو ذات يتجاذبها بدورها -كما توحي لنا القراءة الأولى للنص- مستويات فردية وجماعية. بمعنى أن الهوية الشخصية هي التي تجعل الذات تحافظ على وحدتها لكن التي تتحول على حسب الظروف. وهي الإشكالية التي يقاربها النص، وهي من القضايا الفلسفية التي استرعت اهتمام الفلاسفة والمفكرين والعلماء على مر العصور، لاستكناه حقيقة الإنسان. ومن خلال ما سبق يمكن أن نطرح إشكالية النص على الشكل التالي: ما الذي يحدد هوية الشخص؟ هل تتحدد هويته بشكل داخلي فردي؟ أم تتحدد بشكل اجتماعي؟ بمعنى هل أن الهوية الشخصية تنطلق من الفرد نفسه وأحاسيسه الداخلية وتركيبته النفسية والذهنية؟ ـأم أن الهوية الشخصية تنطلق من المجتمع عبر مختلف المعايير والقيم والعادات لتشكل الهوية الشخصية؟

وإلى حد يمكن القول إن التفاعل بين الفردي والجماعي هو المحدد الأساس لهذه الهوية؟

مطلب التحليل:

في التحليل يجب استخراج الأطروحة الرئيسية التي تنتظم حولها أفكار ومفاهيم النص والعلاقات القائمة بينها، ثم استخراج الحجج والبراهين التي يدافع بها النص عن هذه الأطروحة. يمكن وضع خلاصة جزئية في نهاية التحليل وسؤال للانتقال نحو مطلب المناقشة.

نموذج مقترح لكتابة التحليل:

         يؤكد صاحب النص أن الهوية الشخصية للفرد تتكون من مستووين أساسيين، مستوى داخلي، هو الذي يتشكل من الحياة الذهنية للفرد، يسمى هذا الجانب بالكائن الفردي، وجانب آخر يتكون من الأفكار والأحاسيس والعادات التي نتلقاها من المجتمع وهي مجموع المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية ويسمى هذا الجانب بالكائن الاجتماعي، وتتكون هذه الهوية المزدوجة من خلال عملية التربية والتنشئة الاجتماعية.

       بالعودة لأفكار النص نجد أن صاحبه ينطلق في الفقرة الأولى التي تتحدد بين "بداية النص إلى " الكائن الفردي." ويؤكد فيها أن التنشئة الاجتماعية تحددها التربية، مؤكدا أن داخل كل فرد منا هوية فردية داخلية تتكون من مكونين أساسيين: الأول يسميه بالمكون الفردي، ويتشكل من خلال الحالات الذهنية المكونة للحياة الشخصية للفرد، وتسمى ب" الكائن الفردي.

بعد ذلك ينطلق في الفقرة الثانية التي تتحدد بين قوله:" والآخر هو عبارة عن نسق..."، إلى نهاية النص. ويؤكد فيه على الجانب الآخر الذي يكون الهوية الشخصية، وهو الجماعة التي ينتمي إليها الفرد والتي تعمل على تلقينه -عبر التنشئة الاجتماعية والتربية- مختلف المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية. ويسمى هذا الجانب في الهوية بالكائن الاجتماعي. إذن الهوية حسب صاحب النص مزدوجة، لديها جانب داخلي نفسي وجانب خارجي اجتماعي.

إن التفكير الفلسفي هو بناء للمفاهيم الفلسفية بامتياز، لذلك فهذا النص يتضمن مجموعة المفاهيم ذات الصلة بمجال علم الاجتماع تحديدا، أول هذه المفاهيم، نجد مفهوم الهوية الذي لم يذكره إلا بشكل ضمني من خلال عدة مؤشرات لفظية ك" الداخل و الذات.."، ويقصد بها حسب النص:" ذلك الكائن المزدوج الأوجه الذي يوجد داخل كل واحد منا ويشكل الأساس وجوهر شخصيتنا، والذي لا يمكن حسب النص فصلهما، وهذين الجانبين، هو الجانب النفسي الداخلي، والجانب الاجتماعي الذي نتلقاه عبر التنشئة الاجتماعية."

نجد كذلك مفهوم التنشئة الاجتماعية: ويعرفه النص "كعملية يتم من خلال نقل مختلف العادات والتقاليد والعقائد إلى الفرد من خلال الجماعة التي ينتمي إليها عبر التربية." نجد كذلك مفهوم الجماعة: ويقصد بها "مجموع الأفراد المكونين للمجتمع، والذين تربط بينهم روابط اجتماعية مشتركة." ثم كذلك مفهوم الكائن الفردي، ويعرفه النص، بأنه: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة." وأخيرا مفهوم الكائن الاجتماعي: وهو: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، التي تعبر عن الجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، وتتشكل من مختلف المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها."

إن العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم هي علاقة ترابط وانسجام لأن الهوية الشخصية تتحدد وفق بعد داخلي فردي مرتبط بالحالات الذهنية للفرد، وبعد آخر تكونه الجماعة التي ينتمي إليها الشخص، عبر التربية والتنشئة الاجتماعية.

 إن العلاقة هذه المفاهيم هي ما يؤسس لأطروحة النص المرتبطة التي تؤكد على البعد المزدوج للهوية.

إذن كيف يقدم النص أطروحته وكيف يدافع عنها:

لأجل تلك الغاية استعان النص بمجموعة من الأساليب الحجاجية: إذ ينطلق من حجة العرض، إذ يعرض أطروحته في بداية النص ويؤكد عليها، من خلال قوله: " تكمن التربية.."، ثم ينفي بعدها البعد الواحد للهوية لأن ذلك في نظره غير ممكن إلا في المستوى التجريدي، حينما يقول: " لا يمكن الفصل بينهما إلا...". ثم ينطلق لشرح وتفسير هذين البعدين: من خلال قوله: " أحدهما....." وقوله كذلك: " الأخر...". موظفا في الآن ذاته حجة التعريف حينما يعرف هذه الأبعاد من خلال قوله مثلا: " الآخر هو نسق من الأفكار...". كما يستعين بمجموعة من الأمثلة: " المعتقدات، الممارسات الأخلاقية، العادات الوطنية." وفي الأخير يستعين بحجة الاستنتاج لأنه استنتج أن ما يكون الهوية هو التربية من خلال قوله: " ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون التربية". ويمكن كذلك القول بأنه استعان بحجة القياس المنطقي، لأنه انقل من مقدمة واضحة بذاتها، مستعينا بمختلف الاستدلالات المنطقية للوصول للنتيجة النهائية.

يتبين لنا إذن أن صاحب النص، قد دافع عن أطروحته القائلة بدور التنشئة الاجتماعية في تكوين الهوية الشخصية، التي يربطها بالبعد الذاتي والبعد الاجتماعي.

مطلب المناقشة:

يُنتظر من التلميذ في هذه المرحلة أن يؤكد على أهمية الأطروحة الفلسفية من الناحية الداخلية للنص والناحية التاريخية. ويبين حدود الأطروحة من خلال ربطها وفتح النقاش بينها وبين تصورات فلسفية معارضة أو مؤيدة.

نموذج مقترح للمناقشة:

         يتبين لنا بعد عملية التحليل أن النص متماسك من الناحية المنطقية، وقد وظف صاحبة عدة مفاهيمية ومقاربة اجتماعية، لأن دوركهايم من بين المؤسسين للاتجاه الوضعي في علم الاجتماع، وبالتالي فهو يعطي الأهمية للعوامل الاجتماعية في تكوين الهوية. لكن ألا يمكن القول بأن الأساس المزدوج للهوية هو النظر إلى الذات الإنسانية بشكل انفصامي أليس هناك جوهرا واحدا هو المؤسس لهذه الهوية؟

للإجابة عن هذا التساؤل نستحضر التصورات التي نادت بالبعد الواحد للهوية، مثل المقاربة الفلسفية التي خلال القرن 17 التي دعا إليها الفيلسوف ديكارت، الذي يؤكد أن ما يؤسس الهوية هو الفكر، باعتباره نورا فطريا يحافظ على وحدة الذات وثباتها ووجودها، رغم تغير حالاتها الفكرية والنفسية. وهو ما تعبر عنه قولة ديكارت: " أنا أفكر إذن أنا موجود." والتصور الماهوي الآخر الذي جاء كرد فعل على الاتجاه العقلاني ونقصد به الاتجاه التجريبي الذي يعتبر جون لوك أهم رموزه. والذي يربط الهوية بالجانب الشعوري، لأنه لا يمكن تصور فكرا لا يمرر عبر الحس، لأنه لا وجود لأي فكر خالص وفطري كما يدعي ديكارت، مادام الشخص يولد وعقله صفحة بيضاء نملأها بالتجربة. يقول جون لوك في كتابه مقالة في الفهم البشري: " لا يمكن أن ندرك إدراكا فكريا دون أن نشعر أننا ندرك إدراكا فكريا."

وفي اتجاه آخر نستحضر المقاربة النفسية لسيجموند فرويد الذي يقترب قليلا من أطروحة النص، لأن يركز على الجانب اللاشعوري في الفرد، من خلال تقسيمه الشهير للجهاز النفسي، إلى جانب واقعي هو " الأنا"، وجانب أخلاقي هو " الأنا الأعلى"، وجانب غريزي "هو " الهو". وفي نظره الصراع بين هذه المكونات هو ما يحدد الهوية الفردية.

يتبين لنا إذن أن المقاربات التي قاربت إشكال الهوية متعددة ومختلفة بين مقاربة اجتماعية ومقاربة فلسفية ومقاربة نفسية.

مطلب التركيب:

يُنتظر في هذه اللحظة أن يستنتج التلميذ نتائج وخلاصات حول ماتم تحليله ومناقشته. والإشارة إلى أهمية الإشكالية، وأخيرا مع الإدلاء برأيه الشخصي حول الموضوع والتأكيد على الطابع النسبي للفكر الفلسفي.

نموذج مقترح للتركيب:

      من خلال تحليلنا لهذا النص يتبين لنا أن إشكالية الهوية الشخصية قد شكل محل تضارب للمواقف بين الفلاسفة والعلماء. نظرا لتعقد الموضوع وتعدد أوجهه. لذلك فقد رأينا أن النص يؤكد على دور التنشئة الاجتماعية في تأسيس الهوية وفق مقاربة سوسيولوجية. أما المقاربة الفلسفية الماهوية فقد بحثت عن الجوهر فالعقل عند العقلانيين هو أساس الهوية، أما التجريبيين فيربطونه بالتجربة الحسية، أما المقاربة النفسية فقد ركزت على دور العوامل النفسية اللاشعورية في تأسيس هذه الهوية. وفي ظل تضارب هذه المواقف فإن ذلك ليس إلا دليلا على تعقد الموضوع وعمقه، وهذا لا ينقص من قيمة الفكر الفلسفي في شيء بل يدل على أن لكل موقف ما يبرره من الناحية النظرية والتاريخية. وإذن نقر بهذه الأهمية فإننا نؤكد أن الهوية الإنسانية لا يمكن حصرها في بعد واحد فقط، مادام الإنسان كائنا متعدد الأبعاد، لذلك فالهوية هي كذلك متعددة الأبعاد بين ما هو إجتماعي ونفسي وشعوري. وفي الأخير وتأكيدا للطابع المنفتح للفلسفة نتساءل: إن اختلف الفلاسفة حول الشخص فهل يتفقون حول قيمته؟

الجوانب الشكلية:

الورقة و الخط - تماسك العرض - اللغة

                                                            تحميل PDF

 

 


المادة: الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2باك 

النص:

" لكل واحد منا انطباع أكيد بأنه الحاصل الكلي لتجربته الخاصة ولذاكرته يشكل وحدة متميزة تماما عن تلك التي لأي شخص آخر، وهو يسمي هذه الوحدة ب "الأنا". ولكن ما " الأنا"؟ إذا قمنا بتحليل هذا المفهوم فإننا سنجد، على الأرجح، أنه يعني مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. وبعملية استبطان أو تأمل ذاتي سنكتشف أن " الأنا" هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب. لنتخيل أننا سافرنا إلى بلد بعيد وغبنا عن جميع أصدقائنا القدامى لدرجة نسيانهم، وأننا تمكنا، بالتالي، من التعرف على أصدقاء جدد وشاركناهم حياتهم بصخب أكبر مما كنا نفعله مع أولئك القدامى. إن الانغماس في الحياة الجديدة لن ينسينا، أبدا حياتنا القديمة على الرغم من أنها أصبحت بالتدريج تفقد أهميتها بالنسبة لنا، فما زلنا نذكر الشاب الذي كناه سابقا، ونتحدث عنه بضمير الغائب (...) ومع ذلك، فإن مجرى حياتنا لن يعرف انقطاعا ولا موتا، وحتى لو تمكن أحدهم من دفعنا إلى نسيان كافة الذكريات، فإنه لن يكون قد قتلنا أو أفقدنا وجودنا باعتبارنا أشخاصا.

                                                     حلل (ي) النص وناقشه (يه).

مطلب الفهم:

                      من خلال المفاهيم المتضمنة في النص (الشخص، الأنا، الذاكرة...)، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن مفهوم الشخص، إذ يسلط الضوء على موضوع الشخص والهوية، ويقصد بالشخص في السياق الفلسفي، مجموع المحددات الماهوية الثابتة والمشتركة بين الجنس البشري، التي لا تعرف تغيرا أو اختلافا من كائن إلى آخر، ويحيل مفهوم الشخص على الذات الواعية والمفكرة والمسؤولة عن أفعالها مسؤولية قانونية وأخلاقية، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: ما الذي يحدد هوية الشخص؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته هو المحدد لهوية الشخص؟ ومادور العقل والاشعور في تأسيس هوية الشخص؟

مطلب التحليل:

             جوابا عن الإشكالات أعلاه يقدم النص أطروحة مركزية يؤكد من خلالها على أن الوعي الحسي المرتبط بالذاكرة هو المحدد لهوية الشخص، حيث يستهل صاحب النص نصه مؤكدا على أن كل فرد من له انطباع خاص بتفرد تجاربه وذكرياته عن باقي أفراد بني جنسه، ويسمى هذا التفرد بالأنا، ليتساءل صاحب النص عن مفهوم هذا الأنا، ليجيب بأنه مجموعة من المعطيات المنعزلة ( تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات، أو بالأحرى هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب، فرغم تبدل أحوالنا وانغماسنا في حياة جديدة مختلفة عن تلك التي كنا نحياها ونحن أطفال صغار، فإن ذلك لن ينسينا ذكريات الصبا التي تعتبر مكونا من مكونات أنانا ومحددا رئيسا لهويتنا.

لقد استثمر صاحب النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها: الشخص وهو الذات الواعية والمستمرة في الزمان عبر الذاكرة، كما نجد مفهوم التجربة: وهي كل الأحداث التي يمر بها الشخص في حياته، ثم نجد مفهوم الأنا وهو حسب النص: مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. والعلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي علاقة ترابط وانسجام لأن الشخص يحتفظ بهويته وأناه عبر الذاكرة.

ولدعم أطروحته وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية أهمها: أسلوب التعريف، حيث عرف الأنا معتبرا إياه بأنه مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات)، بالإضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات، وأسلوب المثال، حيث يستحضر مثال السفر للدلالة على أنه غير قادر على أن ينسينا ذكريات الشباب، وكذا أسلوب الاستنتاج حيث خلص صاحب النص إلى أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص. كما اعتمد على مجموعة من الروابط المنطقية من بينها: التأكيد " إن الانغماس في الحياة، فإن مجرى حياتنا..."، الاستفهام " لكن ما " الأنا"؟

مطلب المناقشة:

             يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد على أن هوية الشخص تتحدد انطلاقا من الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته، أما من ناحية بناء النص فهو متماسك من الناحية الاستدلالية مع وضوح للأفكار وانسجام بين المفاهيم. أما أطروحته القائلة بأن الهوية الشخصية تستمر في الزمان والمكان عبر الذاكرة فنجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف جون لوك الذي يرى أن هوية الشخص لا تتأسس على العقل، لأن هذا الأخير صفحة بيضاء، بل تقوم على الوعي، أو المعرفة الحسية التي تصاحب جميع أفعاله وتجاربه الشعورية، من شم وتذوق وسمع وإحساس...، فالوعي الحسي هو ما يجعل الشخص " هو هو"، مادام أن الشخص لا يمكن أن يفكر بمعزل عن المعارف التي يكتسبها بواسطة الشعور والإحساس، وبفضل الذاكرة يستمر الوعي في الزمان ويدرك الشخص أنه ذات واحدة وثابتة لا يشوبها التحول والتغيير، فهوية الشخص إذن، تتأسس على الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراره وديمومته. لكن هل الذاكرة وحدها محددا للهوية؟ ألا يمكن الحديث كذلك على أن العقل أو اللاشعور هو المحدد لهوية الشخص؟

لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور الفيلسوف ديكارت الذي يرى أن العقل هو المحدد لهوية الشخص. فمن خلال تجربة الشك التي أوصلته إلى حقيقة " الكوجيطو " أنا أفكر إذن أنا موجود"، أدرك ديكارت أن الذات جوهرها الفكر، والعقل كنور فطري هو الذي يجعل الشخص يعي ذاته ويثبت وجوده ويبلغ الحقيقة. فمتى توقفت الأنا عن التفكير توقفت عن الوجود وبالتالي هوية الشخص تتوقف أساسا على الممارسة الفكرية بكل أبعادها: التحليلية والتخييلية والإبداعية...، وهو ما يعبر عنه ديكارت بقوله: " أي شيء أنا؟ أنا شيء مفكر". وفي نفس لسياق نستحضر تصور سيغموند فرويد الذي يعتبر أن هوية الشخص تتشكل لا شعوريا من خلال الصراع بين مكونات الجهاز النفسي الثلاث: الهو، موطن الغرائز والشهوات والرغبات المكبوتة، والأنا الأعلى الذي يتضمن مجموع القيم والمثل الأخلاقية والقانونية التي يكتسبها الفرد من المحيط الاجتماعي والتربوي والديني...و الأنا المكون المسؤول عن التوفيق بين المطالب المتناقضة للهو و الأنا الأعلى والعالم الخارجي. فاللاشعور هو المحدد لاختياراتنا والموجه الرئيس لإرادتنا ورغباتنا، وبالتالي المسؤول المباشر عن تحديد هويتنا.

مطلب التركيب:

            من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية الشخص والهوية، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث يرى صاحب النص وجون لوك أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص، في حين اعتبر ديكارت أن العقل هو المحدد لهوية الشخص وبالمقابل يؤكد فرويد أن اللاشعور هو المحدد لهوية الشخص. أما فيا يتعلق بوجهة نظري الشخصية ومادام التفكير الفلسفي تفكيرا متعددا ومنفتحا وليس تفكيرا أحاديا كما هو شأن الإيديولوجيا، فإن لكل موقف فلسفي ما يبرره من الناحية المنطقية والتاريخية. لذلك فكل هذه المواقف متداخلة هي ما يعطينا الحل للإشكالية، فمادام الإنسان كائن متعدد الأبعاد (بعد نفسي وتاريخي واقتصادي واجتماعي وسياسي...) فإن هويته بالتالي متعددة الأوجه، وليست هوية ذات بعد واحد.

وفي الأخير نتساءل: ما الذي يحدد قيمة الشخص؟

الجوانب الشكلية : 

الخط  - تماسك الموضوع - اللغة 

                                                                تحميل PDF