الثلاثاء، 16 يناير 2024

المحور الثاني: معرفة الغير

الفئة المستهدفة : 2 بكالوريا جميع الشعب



مجزوءة : الوضع البشري

مفهوم: الغير 

تأطير إشكالي:

يقصد المعرفة الفعالية الفكرية التي يدرك من خلالها الفكر موضوعا ما، سواء كان موضوعا جامدا أو ذات أخرى.  ويعالج هذا المحور قضية معرفة الغير، ويحيل هذا الإشكال على عدة مفارقات: الذات/الموضوع، الجانب الداخلي/الجانب الخارجي، معرفة يقينية / معرفة نسبية.

من خلال هذه المفارقات نستنتج مجموعة من التساؤلات: هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ إن كان الجواب بالإيجاب فكيف يتم ذلك؟

التصور الوجودي: معرفة الأنا للغير معرفة مستحيلة 

يؤكد سارتر على استحالة معرفة الأنا للغير بسبب النظرة التشييئية، فالأنا تنظر إلى الغير كموضوع خارجي وتسلبه كل معاني الوعي، والإرادة والمسؤولية، فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية، وما أن ينتبه إلى أن أحدا ما يراقبه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. إن حالة التحول هاته هي التي تجعل من معرفة الأنا للغير معرفة خارجية وسطحية لا ترقى إلى المعرفة اليقينية الحقة.

التصور العقلاني: نيكولا مالبرانش معرفة الأنا للغير معرفة تخمينية

يؤكد مالبرانش على صعوبة معرفة الغير لأنه ذات أخرى مختلفة عنا، وأقصى ما يمكن بلوغه هو محاولة إسقاط فرضيات تدعي أن ما نشعر به هو نفسه ما يشعر به الآخرون مادام أنهم من نفس فصيلتنا، إلا أن مبدأ الإسقاط والمماثلة هذا، ليس فعالا لمعرفة الغير، خاصة، حين يتعلق الأمر بالأحاسيس والانفعالات الذاتية. وبالتالي فمعرفة الغير تظل معرفة احتمالية تخمينية وليست معرفة يقينية، مادام أن الأنا لا تستطيع أن تنفذ إلى أعماق الغير لإدراك حقيقة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته.

التصور الفينومينولوجي : موريس ميرلوبونتي

يرى ميرلوبونتي أن نظرة الغير لا تحول الأنا إلى موضوع، كما أن نظرة الأنا إل الغير لا تحوله إلى موضوع، إلا إذا كان أحد الطرفين مجهولا بالنسبة إلى الآخر أو متعاليا عليه، ولكن ما أن يهم الغير بالحديث إلى الأنا أو العكس، حتى ينشأ نوع من التواصل والحوار بينهما، مما يؤدي إلى تحقيق معرفة يقينية ببعضهما البعض، أساسها التعاون والمشاركة. فالأنا ، حسب ميرلوبونتي، قادرة على معرفة الغير، والنفاذ إلى أعماقه إذا تخلت عن تعاليها، وحققت شرط التواصل اللغوي والوجداني معه، واعترفت به كذات واعية، حرة ومستقلة.


الاثنين، 15 يناير 2024

المحور الأول: وجود الغير

الفئة المستهدفة: 2 باك جميع الشعب

المجزوءة: الوضع البشري

المفهوم: الغير



أولا: تقديم إشكالي

من خلال الفيلم المذكور، وحيد في العالم Seul au monde، نجد أن البطل بعد سقوط الطائرة التي تقله في البحر ونجاته عبر التجائه إلى الجزيرة، وجد نفسه وحيدا، في غياب تام للغير وهو ما جعله يبحث عن شخص آخر يتواصل معه ويخرج من عزلته الوجودية، لذلك صنع دمية باعتبارها كائنا آخر. انطلاقا من هذه الوضعية نتساءل:

هل الغير ضروري م غير ضروري؟

هل وجود الغير تهديد لي أم مصدر سعادة؟

ما تأثير الغير على الشخص؟ هل وعيي بذاتي يمر عبر الغير؟

أولا: مطلب التحليل

التصور الوجودي: أطروحة مارتن هايدجر 1889-1976م: الغير تهديد

إشكالية النص:

هل وجود الغير تهديد للشخص أم هو ضروري لوجوده؟

أطروحة النص:

إن حضور الغير في علاقته بالأنا هو هو افراع للذات من خصوصيتها وكينونتها التي تتميز بها عن الآخرين، وبالتالي يذوب كل الاختلافات التي تميزه عن الآخرين وينصهر بذلك في الحياة المشتركة كأنه لا أحد.

شرح الأطروحة: أفكار النص

يميز هايدجر بين الوجود مع الغير MITSEIN  والوجود- هنا أي الوجود الفردي DASEIN، ففي النمط الأول يفقد الإنسان كينونته وأصالته وجوهره، أي يفقد ما يميزه باعتباره شخصا فريدا، وذلك من خلال انصهاره في الحياة الاجتماعية المشتركة ( مثل الألعاب، قراءة الكتب والجرائد، مشاهدة الأفلام، ركوب وسائل النقل العامة...) إن هذا النمط إذن هو تهديد لأصالة الفرد  وبالتالي يسقط في عالم زائف  ويعيش وجودا زائفا، أما في النمط الثاني الذي يسميه هايدجر بالوجود الأصيل، فالشخص يكون أمام نفسه وكنونته، بمعنى أنه يكون في حالة تفكير دائم في مصيره باعتباره وجد ليموت.

ثانيا: مطلب المناقشة

مناقشة داخلية:

تمرين: تتجلى قيمة النص في تأكيده على تهديد الغير خاصة في المجتمعات المعاصرة، التي أصبحت مجتمعات جماهيرية، تنتفي فيها ذاتية الفرد لصالح النسق الرأسمالي الاستهلاكي. أما من الناحية التاريخية فأطروحة هايدجر تعبير عن التصور الوجودي الذي يعلي من قيمة الفردية في ظل سيادة الأنظمة المغلقة سواء الرأسمالية أو الاشتراكية خلال القرن 20.

مناقشة خارجية

أطروحة جون بول سارتر: الغير تهديد لكن لا غنى عنه لمعرفة الذات.

يؤكد جون بل سارتر على أن وجود الغير ضروري لوجود الأنا لكي تحقق وعيا بذاتها، ورغم أن وجود الغير يحد من وجود الأنا ويفقدها حريتها وتلقائيتها من خلال النظرة التي تحول الشخص إلى موضوع أو شيء، لكن رغم هذا التهديد يبقى الغير الوسيط الذي لا غنى عنه لوعي الذات بذاتها، وحالتها النفسية والسلوكية كتجربة الخجل الذي لا يشعر به الشخص إلا في وجود الغير يقول سارتر: " أنا عبد بالقدر الذي يرتبط به وجودي بحرية ليست هي حريتي لكنها الشرط الأساسي في وجودي."

أطروحة فردريك هيجل: الغير تهديد

حسب هيجل كل شيء في العالم يمر عبر الصراع والجدل، حتى وعي الشخص بذاته وتحقيق وجوده والاعتراف به كوجود حر، فالاعتراف لا يُعطى مجانا بل إنه يمر عبر عملية من الصراع الجدلي بين ذاتين تحاول كل واحدة منهما أن تتغلب على الأخرى وهو ما يسميه هيجل ب " جدلية العبد والسيد"، بمعنى أن كل واحد يدخل في معركة حتى الموت لنزع الاعتراف به كسيد، أما الطرف الآخر المنهزم يتحول إلى عبد مفضلا التبعية على الموت.

رابعا: مطلب التركيب

    من خلال ما سبق نستنتج أن إشكالية وجود الغير قد أفرزت مجموعة من المواقف. فمن جهة يؤكد هايدجر على تهديد الغير لأصالة الشخص. ومن جهة يؤكد الفيلسوف سارتر على أهمية وجود الغير رغم تهديده، لكي يكتمل وعي الذات بذاتها. أما الفيلسوف هيجل فيؤكد على تهديد الغير للذات من خلال رغبة كل طرف في إخضاع الآخر. أما من وجهة نظري أجد أن لكل موقف ما يبرره من الناحية الفلسفية والتاريخية، لذلك فوجود الغير لا يمكن حسمه كتهديد أو كضرورة، لأن طبيعة العلاقة بين الذات والغير هو المحدد، فعلاقة الأمومة تختلف مثلا عن علاقة الأخوة أو علاقة العمل أو علاقة التلمذة أو علاقة الزوجية. فلا يمكن النظر لوجود الغير إلا من خلال زاوية الوضع الذي يحدد الذات بالآخر. وعلى ضوء ذلك يمكن القول تهديد أو ضرورة.

وفي الأخير نتساءل: هل يمكن معرفة الغير؟



 


الأحد، 19 فبراير 2023

المحور الثالث : الشخص بين الضرورة والحرية

 

الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا

الشعبة أو المسلك: جميع الشعب والمسالك

 


 تحليل منهجي لنص جون بول سارتر:

 ( الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة)

أولا: مطلب الفهم

يتأطر النص ضمن مجزوءة الوضع البشري، تحديدا مفهوم الشخص. كما يعالج قضية الشخص بين الضرورة والحرية. ويمكن صياغة إشكاله على النحو التالي:

هل الشخص حر؟ وما الذي يحدد ماهيته؟ وكيف يصنع الإنسان نفسه عبر الحرية؟

ثانيا: مطلب التحليل

 يؤكد صاحب النص على أطروحة فلسفية مفادها أن الإنسان لا تتحدد ماهيته قبل وجوده إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته من خلال تجاوزه لوضعيته، عبر الشغل والفعل والحركة (PRAXIS).

 وبمثل هذا الموقف تجاوز للفلسفات الحتمية التي تنفي حرية الإنسان (الماركسية، البنيوية، علم الاجتماع، التحليل النفسي...). الإنسان يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويتجاوزها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل والحركة. ينطلق النص من الحديث عن الحرية والاختيار التي يراها هي  الخطوة نحو التموضع في المستقبل والتي تفتح المجال للإنسان، أي أن حريته واختياراته هي التي تحدد  تموضعه. يعتبر سارتر أن المنهج الذ يختزل الإنسان في بعد واحد مطلق، يكون قد أغفل أبعاده  الحقيقية الأخرى التي تحدد ماهية الإنسان. وبالتالي المنهج الجدلي كما يراه سارتر فهو يعطي للذات أهميتها لكن دون أن ينفي الواقع.

وظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم الأساسية هي:

التعالي: هو خاصية الذات التي لا تنفصل عن حريتها، ويرتبط بقصدية الوعي بقدته على الإحالة إلى ما هو خارج الوعي.

المشروع: هو مفهوم اقتصادي في الأصل ووظف في المجال الفلسفي عندما يعتبر الإنسان مشروع قد يكون الإنسان موضوعه أو قد يكون المجتمع هو صاحب هذا المشروع. 

الإرادة: صفة تميز الطبع وهي قرار الفعل أو عدم الفعل وبالتالي القدرة على التصرف تبعا لما يمليه العقل. 

 المنهج الجدلي: وهو عملية أو صيرورة بمثابة قانون تحكم الفكر والواقع عن طريق الصراع بين الأفكار وتنتقل من أطروحة إلى نقيضها ثم إلى التركيب. 

الحرية: هي القدرة على الفعل من أجل التموضع في المستقبل ويربط سارتر الحرية بالمسؤولية.

إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط، لأن الشخص يحقق مشروعه من خلال الحرية والإرادة التي تمكنه من التعالي على الواقع بطريقة جدلية.

 الأساليب الحجاجية:

لقد وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب والحجج للدفاع عن أطروحته:

حجة المقابلة: ذات / آخر، بسيط/مركب، الحتمية/ الحرية، حرية مطلقة/ حرية صنمية.

حجة التعريف: حيث يعرف الإنسان من خلال قوله: " الكائن المادي الذي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها."

حجة النفي: من خلال نفيه صفة الصنمية عن الحرية. " لا يمكن، لا علاقة لها بهذا العالم".

ثالثا: مطلب المناقشة

تتجلى قيمة النص في كونه يدافع عن الحرية بشكل كبير التي يربطها بالمجتمع حيث يحقق الشخص

 ذاته باعتباره مشروعا. ويمثل هذا الموقف تجاوزا للأطروحات " الحتموية" القائلة بأن الإنسان غير حر

 مثل الماركسية البنيوية والتحليل النفسي والنظريات الاجتماعية الحتمية... وذلك خلال القرن 20م.

أما في اتجاه معاكس للنص نجد تصور التحليل النفسي لسيجموند فرويد حيث ترتبط حرية الشخص بضرورات وإكراهات نفسية حيث يصير الأنا مجرد تابع خاضع لإملاءات اللاشعور ولبنية الجهاز النفسي.

أما الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا فيؤكد في نفس الاتجاه أن الشخص محكوم بالضرورة الطبيعية، والتي تحكم كل الموجودات، وما اعتقاد الشخص بأنه حر سوى وهم لأنه يجهل الأسباب التي تتحكم في أفعاله.

 خامسا: مطلب التركيب

من خلال تحليلنا ومناقشتنا للنص يتبين لنا أن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية قد أفرزت مجموعة من المواقف الفلسفية، فمن جهة يؤكد النص على أن الشخص يتمتع بحرية مطلقة في اختياراته من خلال الحركة والممارسة. ومن جهة أخرى يؤكد الفيلسوف اسبينوزا على دور الضرورة الطبيعية في تحديد السلوك الإنساني. فرويد فيؤكد على خضوع الفرد للحتمية النفسية للاشعور. أما من وجهة نظري فإنني أجد أن تعدد المواقف الفلسفية لا يؤكد إلا تعقد الإشكالية، وهو ينم ويعبر عن طبيعة الفكر الفلسفي القائم على تعدد وجهات النظر فكل موقف صحيح من ناحية ما بالتالي فكل هذه المواقف متكاملة فيما بينها رغم تناقضها الظاهري. وفي الأخير نتساءل: هل يحد الغير من حرية الشخص؟


 

المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

 الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا

الشعبة أو المسلك: جميع الشعب والمسالك



 

 تحليل منهجي لنص جون بول سارتر:

 ( الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة)

مدخل إشكالي:

كل ما هو جدير باهتمام المرء وعنايته. وقيمة الشيء من الناحية الذاتية الصفة التي تجعل الشيء مطلوبا ومرغوبا فيه.

 ويطلق لفظ القيمة من الناحية الموضوعية على ما يتميز به الشيء من صفات تجعله يستحق التقدير.  أما مفهوم الشخص فيدل في معناه الفلسفي على عدة دلالات:

الشخص طبيعي: من حيث هو جسم ومظهر

معنوي: باعتباره ذات واعية

حقوقي: له حقوق وعليه واجبات

تساؤلات:

1.     من أين يستمد الشخص قيمته؟

2.     هل تتحدد قيمة الشخص بشكل أخلاقي؟ أم بشكل اجتماعي؟

3.     هل تتحدد قيمته باعتباره ذاتا مجردة أم باعتباره وسيلة مادية؟

أولا: مطلب الفهم

يندرج النص ضمن مجزوءة الوضع البشري وتحديدا مفهوم الشخص ويعالج قضية قيمة الشخص، والتي يمكن التعبير عنها من خلال الإشكالية التالية: أين تكمن قيمة الشخص؟ هل هو غاية في ذاته؟ أم مجرد وسيلة؟

ثانيا: مطلب التحليل

يؤكد صاحب النص على أن ما يمنح الشخص قيمته هو عقله الأخلاقي العملي باعتباره ذاتا أخلاقية لها قيمة مطلقة.

ينطلق صاحب النص من اختيار اعتبار الإنسان كائن عاقل وذو إرادة وبالتالي فإن قيمته تكمن في ذاته باعتباره غاية على خلاف الكائنات

 الأخرى غير العاقلة التي لديها قيمة مشروطة.

ينتقل صاحب في الفقرة الثانية للتأكيد على أن قيمة الشخص هي قيمة مطلقة بينما قيمة الأشياء الأخرى مشروطة لأن الإنسان من خلال عقله وإرادته يؤسس لأخلاقه.

ينتهي صاحب النص إلى فكرة أساسية مفادها أن العقل العملي الأخلاقي هو الذي يحدد الطريقة التي يجب التعامل بها مع الشخص وذلك من خلال صياغته لمبدأ أساسي للفعل الإنساني يسميه "الأمر المطلق" وصيغته كالتالي: " تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك دائما وأبدا كغاية وليس مجرد وسيلة إطلاقا!"

وقد وظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم الفلسفية لتي انتظمت حولها الأطروحة نذكر منها:

الإنسان: هو كائن عاقل له قيمة مطلقة ويتصرف وفقا لمبادئ العقل العملي الأخلاقي. القيمة المطلقة: أي أن قيمة شخص غير محدودة إلا بالعقل أي أنها قيمة داخلية. القيمة المشروطة: أي أن الذي يحدد قيمة ما، هو النتائج المتوخاة منها وليس القيمة في ذاتها. 

الأمر المطلق: هو أمر قطعي تمت صياغته بشكل صوري مجرد وقد وضعه كانط باعتباره المبدأ الأخلاقي الأسمى وصيغته هي كالتالي: " تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك كما ف شخص غيرك كغاي دائما وأبد وليس مجرد وسيلة إطلاقا!".

إن العلاقة التي تجمع هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط لأن قيمة الإنسان هي قيمة مطلقة وليست مشروطة، وعلى الإنسان أن يتصرف وفق مبدأ " الأمر المطلق".

كما وظف صاحب النص مجموعة من الحجج لدعم أطروحته هي كالتالي:

حجة المقارنة: حيث يقارن صاحب النص بين الإنسان والكائنات غير العاقلة. حجة النفي: حيث ينفي صاحب النص أن يكون الإنسان وسيلة.

حجة التعريف: حيث عرف الموجودات العاقلة " تدعى أشخاص لأن طبيعتها تدل عليها."

حجة المقابلة: حيث يوظف النص مجموعة من التقابلات (العقل / الميل، الغاية/الوسيلة، القيمة المطلقة/ القيمة المشروطة.)

قبل الانتقال إلى المناقشة نستنتج بأن صاحب النص يؤسس قيمة الشخص بشكل داخلي ميتافزيقي بمعنى أنه قد أغفل الجانب

 الاجتماعي للإنسان. لذلك نتساءل كيف تتأسس قيمة الشخص اجتماعيا؟

ثالثا: مطلب المناقشة

تتجلى قيمة النص في تأكيد كانط على الجانب الأخلاقي في الإنسان باعتباره غاية في ذاته أما من الناحية الفلسفية والتاريخية فقد أثر هذا

 الموقف في بلورة فكرة حقوق الإنسان الكونية التي تقتضي بأن الشخص يظل ذا قيمة عليا بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه أولونه...لكن رغم قيمة هذا الموقف إلا أنه يظل ذا طابع ميتافزيقي منغلق ومجرد، وهو النقد الذي له كانط من طرف مجموعة من الفلاسفة أهمهم:

جورج غوسدورف الذي يؤكد في رده على كانط أن قيمة الشخص لا تتحقق بشكل فردي في استقلال تام عن الجماعة، بل إن هذه القيمة لا  يكتسبها الشخص الأخلاقي إلا من خلال المشاركة والتضامن مع الآخرين في إطار الحياة الاجتماعية ويمثل هذا الرأي تجاوزا لفكرة كانط  المتميزة بطابعها الميتافزيقي المجرد. أما الفيلسوف الألماني فردريك هيجل فيؤكد بدوره أن قيمة الشخص لا تحدد إلا بانخراطه في الدولة ولقوانينها باعتبارها التجسيد الفعلي لكل ما هو أخلاقي وباعتبارها تجسيد لروح الأمة لذلك لا يمكن للإنسان أن يكتسب قيمته الأخلاقية إلا في إطارها.

أما بالنسبة للتصور الليبرالي المعاصر لجون راولز فهو يؤكد على أن الشخص مواطن حر، وعضو فعال داخل المجتمع. بالتالي فقيمة الشخص تتحدد من خلال امتلاكه لكفاءات عقلية وأخلاقية تمكنه من التعاون مع الآخرين والمساهمة في بناء المجتمع وفي إطار المسؤولية وتكافؤ الفرص بمعنى أن الشخص يمكنه أن ينال أي مكانة في المجمع وفقا لكفاءته وبغض النظر عن انتماءاته العرقية أو الدينية أو الجنسية ...الخ.

رابعا: مطلب التركيب 

من خلال التحليل والمناقشة يتبين لنا أن إشكالية قيمة الشخص قد أفرزت مجموعة من المواقف الفلسفية، فمن جهة يؤكد النص على أن الشخص يكتسب قيمته بشكل داخلي باعتباره ذاتا لعقل أخلاقي عملي ومن جهة أخرى يذهب تصور غوسدورف إلى ربطها بالبعد الاجتماعي الواقعي، نظرا لاستحالة تأسيس أخلاقية ميتافزيقية بمعناها الكوني. أما التصور الليبرالي لرولز فيؤكد على أن القيمة تتأسس اجتماعيا، من خلال فاعلية الفرد داخل مجتمعه. أما فيما يتعلق بموقفي الشخصي فإنني أرى أن لكل موقف فلسفي ما يبرره من الناحية الفلسفية والتاريخية وهو ما يؤكد الطابع النسبي المنفتح للفكر الفلسفي، ولكنه لا يمكن حصر قيمة الشخص في بعد واحد دون بعد، آخر فانسجام الأبعاد الذاتية والاجتماعية والأخلاقية في الفرد هو ما يمنحه قيمته، وهذه القيمة ليست نهائية، بل تتطور بتطور الذات الإنسانية.

وفي الأخير نتساءل: هل الشخص حر أم خاضع للضرورة؟

 



المحور الأول: الشخص والهوية

الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا

الشعبة والمسلك: جميع الشعب والمسالك



 تقديم: 

يمر الشخص خلال مسار حياته من مجموعة من التغيرات (فكرية، جسمية، نفسية، عاطفية). لكن رغم التغيرات نجد عنصرا يبقى دائما هو هو يسمى الهوية ويعني" بقاء الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده ومنه قولنا، هوية الأنا. وتسمى هذه بالهوية الشخصية."

هكذا يدل مفهوم الهوية على الخاصية أو الخصائص التي تجعل الشخص مطابقا لذاته فيكون هو هو، أو متميزا عن غيره. فالهوية إذن مبدأ هوية واختلاف."

تساؤلات:

لماذا يتغير الإنسان في مظهره وهل يتغير في جوهره؟

ما هي الهوية؟ وهل تبقى ثابتة؟ أم متغيرة؟

هل العقل هو المحدد للهوية أم الشعور أم الجانب النفسي؟ 

 

التصور الفلسفي التجريبي: أطروحة جون لوك 


                       

  ( تحليل منهجي للنص من كتاب في رحاب الفلسفة)

التعريف بصاحب النص:

جون لوك: فيلسوف وسياسي إنجليزي ولد 1632 وتوفي 1704. انصبت اهتماماته على الطب التجريبي والدفاع عن الليبرالية السياسية في إنجلترا. بما فيها حرية الملكية الفردية. اضطهد بسبب هذه الأفكار في بلاده إنجلترا، وهاجر منها لمدة إلى هولندا. اشتهرت أفكاره في أمريكا وكانت أساسا للثورة الأمريكية. من أهم كتبه: 

مقالة في الفهم البشري 

رسالتان في الحكم المدني 

رسالة في التسامح

أولا: مطلب الفهم 

يتأطر النص الماثل أمامنا ضمن مجزوءة الوضع البشري، تحديدا مفهوم الشخص وهو البعد الذاتي الذي يشكل هذا الوضع، ويعالج قضية الهوية الشخصية، ويمكن صياغة إشكال النص على الشكل التالي:

ما الذي يحدد الهوية الشخصية؟ ما الذي يجعل الشخص هو هو في كل زمان ومكان رغم تغير مجموعة من مظاهره الخارجية؟ هل ينفصل شعور الإنسان عن فكره؟

ثانيا: مطلب التحليل

أطروحة النص: 

جوابا عن السؤال الإشكالي المطروح، يؤكد صاحب النص على أن: التجربة الشعورية هي أساس الهوية الشخصية. بمعنى أن الإنسان يبقى ثابتا كذات بفضل تجاربه الحسية التي ترافق تجربته الوجودية، بمعنى أن الإنسان حينما يفكر فتلك الأفكار ليست فطرية -كما يقول ديكارت- بل هي مرتبطة بالتجارب التي يمر منها الإنسان.

وهذا النص هو رد مباشر على الاتجاه العقلاني لديكارت.

أفكار النص: 

وقد انطلق صاحب النص في عرضه للأفكار من الفكرة الأساسية التالية:

أن الشخص هو ذلك الكائن المفكر والمطابق لنفسه، ووسيلته في ذلك هي الشعور. هذا الأخير الذي لا يقبل الانفصال عن الفكر يقول جون لوك: لا يمكن لي كائن بشري، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر بأنه يدرك إدراكا فكريا.

أما في الفقرة التالية:

فيذكر صاحب النص مجموعة من الأمثلة من أجل التأكيد على أن الإنسان حينما يدرك إدراكا عقليا فلا يمكنه القيام بذلك إلا عبر مجموعة من الإدراكات الحسية (الشم، السمع، التذوق، اللمس...). يخلص صاحب النص في الفقرة الأخيرة إلى أن ما يجعل هوية الشخص ثابتة هو: ارتباط إدراكه الحسي بشكل دائم بإدراكه العقلي في الزمان والمكان.

مفاهيم النص: 

وقد وظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم الفلسفية:

الهوية الشخصية: وهو مفهوم فلسفي يدل على الجوهر الثابت لدى الشخص ويربطه جون لوك بالشعور.

الشخص: كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل.

الشعور: هو مجموعة من الإدراكات الحسية (الشم، الذوق، اللمس، السمع..) التي من خلالها يدرك الإنسان ذاته ومحيطه والتي تكون لديه إدراكاته العقلية.

العلاقة بين المفاهيم: 

إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط وتلازم، لأن الشعور مرتبط بالهوية الشخصية وملازم لها، والهوية الشخصية هي التي تحافظ على وحدة الشخص وثباته.

حجاج النص: 

وقد وظف صاحب النص مجموعة من الحجج والبراهين من أجل الدفاع عن دعواه، ومن بين هذه الحجج:

أسلوب التعريف: حيث يعرف في بداية النص مفهوم الشخص من خلال قوله " ...كائن مفكر قادر على التأمل والتعقل).

أسلوب المثال: وذلك من خلال توظيف الفيلسوف لمجموعة من الأمثلة:" الشم، السمع، الذوق، الإحساس..).

أسلوب الدحض: حيث يدحض الفيلسوف أطروحة ديكارت القائلة بأن الشعور ينفصل عن الفكر.

 ثالثا: مطلب المناقشة

تتجلى قيمة هذا النص في تأكيده على قيمة التجارب الحسية، أما من الناحية التاريخية فقد شكل هذا النص تجاوزا للاتجاه العقلاني لديكارت، كما أثر هذا النص على مجموعة من المدارس الفكرية والفلسفية خاصة الأنجلو سكسونية.

ولكن رغم أهمية النص إلا أن هناك عدة مواقف أخرى معارضة لدعواه، نجد مثلا الفيلسوف العقلاني ديكارت يؤكد على أطروحة مغايرة مفادها: أن هوية الشخص تتحدد بالعقل المجرد، باعتباره نورا فطريا، وهو الوسيلة لحضور الذات أمام نفسها، فجوهر الإنسان هو العقل والخاصية الأساسية للعقل هي التفكير حيث يقول: " أي شيء أنا إذن؟ أنا شيء مفكر." ومعنى ذلك أن الإنسان يبقى ثابتا لأنه يفكر وحينما يتوقف عن التفكير فإنه يتوقف عن الوجود وهنا يقول ديكارت: " أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود).

أما خلال القرن 19، فستظهر نظرية في مجال علم النفس ستحاول تجاوز التصور الفلسفي، وستقول بأن جوهر الإنسان ليس هو العقل ولا الشعور، بل هو اللاشعور وهو ما أكده الطبيب النمساوي سيجموند فرويد مؤسس نظرية التحليل النفسي. وتؤكد هذه النظرية على أن الإنسان يمتلك جهازا نفسيا هو الذي يتحكم في كل أفعاله وتصرفاته وينقسم هذا الجهاز النفسي إلى ثلاثة عناصر:

الجانب الغريزي: الهو، الجانب الواقعي: الأنا، الجانب الأخلاقي: الأنا الأعلى.

رابعا: مطلب التركيب

من خلال تحليلينا لهذا المحور، يتبين لنا أن إشكالية الهوية الشخصية، من أهم القضايا التي اهتم بها الفلاسفة على مر تاريخ الفلسفة، وهو ما خلف جدلا مستمرا، حول الكشف عن الماهية الثابتة التي تجعل الشخص ثابتا رغم تغير أحواله في الزمان والمكان، فهناك من يربط الهوية بالجانب العقلي باعتباره هو المحدد للذات، وهو ما يؤكد عليه الاتجاه العقلاني، وهناك من يحدده بالجانب الحسي الشعوري وهو ما يؤكد عليه الاتجاه التجريبي. فيما جاءت نظرية التحليل النفسي لتغليب الجانب اللاشعوري النفسي في تحديد الهوية الشخصية، مؤسسة بذلك لاتجاه دينامي للهوية عكس التصورات الماهوية في الفلسفة الكلاسيكية. خلاصة القول أن الهوية الشخصية لا يمكن حصرها في جانب واحد وإهمال جوانب أخرى، لذلك فهي نتيجة تفاعل كل هذه الجوانب العقلية والحسية والنفسية. لأن الإنسان كائن متعدد الأبعاد. وهو ما ينسجم كذلك مع الفكر الفلسفي باعتباره فكرا متعددا ونسبيا. وفي الأخير نتساءل: ما الذي يحدد قيمة الشخص؟

 

تقديم إشكالي لمفهوم الشخص

الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا 

الشعبة: جميع الشعب والمسالك 



أنا فرد واحد من جيل، وكل فرد من أفراد هذا الجيل هو صورة للآخر، أناه الثانية. إن الصورة التي نشرتها جريدة وطنية تعود إلى عام 1947، وهي لتلامذة المدرسة التي درست فيها. أخذت هذه الصورة من أحد أصدقائي وبدأت أتأملها، لم أستطع اكتشاف نفسي إلا بصعوبة لأن الجميع متشابهون والجمع متراص،وكذلك كانوا في الحياة العملية خلال طفولتهم، منهم من أصبح اليوم مهندسا أو طبيبا أو أستاذا جامعيا أو مقاولا أو قاضيا أو موظفا كبيرا في جهاز الدولة أو تاجرا من كبار التجار. لقد عاش هؤلاء جميعا التجربة نفسها التي عشتها، ولذلك فعندما كنت أكتب عن تجربتي، كنت أتكلم في نفس الوقت عن جيل بأكمله وعن مرحلة تاريخية بأكملها، عن مرحلة يمكن اعتبارها جسرا بين حياة القرون الوسطى وحياة القرن العشرين(...) وهكذا فالجوانب الشخصية والاجتماعية والوطنية قد فرضت نفسها على الكاتب فرضا. "

محمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان1997، ص229-230.


يتحدث الكاتب في هذا المقطع من سيرته الذاتية، عن التداخل الحاصل بين التجربة الفردية للإنسان والتجربة الجماعية التي يحياها مع الآخرين. وحينما رأى صورته لم يكتشف نفسه منذ الوهلة الأولى، نظرا لتغيره ولتشابهه مع الآخرين. فما الذي يميز تجربة الذات الفردية؟ وما الذي يمنحها قيمتها؟ وهل هي حرة في أفعالها؟

من الدلالات إلى الإشكالية:

الدلالة العامة: تمثلات التلاميذ

الدلالة اللغوية: تشير كلمة الشخص في اللغة العربية إلى البروز والظهور. وكلمة   personne مشتقة من الكلمة اللاتينية persona التي تعني القناع.

الدلالة الفلسفية: يدل الشخص على الإنسان بما هو ذات واعية وعاقلة قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها. ويحيل مفهوم الشخص على وحدة وهوية ومطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد الحالات التي يمر منها الشخص واختلافها.

أستنتج من خلال دلالات الشخص أنه يطرح مجموعة من المفارقات يمكن التعبير عنها كما يلي:

الثبات/التغير، الوحدة/التعدد، الحرية/ الضرورة، الشروط القبلية/ التباعد

من خلال هذه المفارقات نصوغ الإشكالات التالية:

1-   ما الذي يحدد هوية الشخص؟

2-   ما الذي يحدد قيمة الشخص؟

3-   هل الشخص حر أم خاضع للضرورات؟