الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا
الشعبة والمسلك: جميع الشعب والمسالك
تقديم:
يمر الشخص خلال مسار حياته من مجموعة
من التغيرات (فكرية، جسمية، نفسية، عاطفية). لكن رغم التغيرات نجد عنصرا يبقى
دائما هو هو يسمى الهوية ويعني" بقاء الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي
تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده ومنه قولنا، هوية الأنا. وتسمى هذه بالهوية
الشخصية."
هكذا يدل مفهوم الهوية على الخاصية أو
الخصائص التي تجعل الشخص مطابقا لذاته فيكون هو هو، أو متميزا عن غيره. فالهوية
إذن مبدأ هوية واختلاف."
تساؤلات:
لماذا يتغير الإنسان في مظهره وهل
يتغير في جوهره؟
ما هي الهوية؟ وهل تبقى ثابتة؟ أم
متغيرة؟
هل العقل هو المحدد للهوية أم الشعور
أم الجانب النفسي؟
التصور الفلسفي التجريبي: أطروحة جون لوك
( تحليل منهجي للنص من كتاب في رحاب الفلسفة)
التعريف بصاحب النص:
جون لوك:
فيلسوف وسياسي إنجليزي ولد 1632 وتوفي 1704. انصبت اهتماماته على الطب
التجريبي والدفاع عن الليبرالية السياسية في إنجلترا. بما فيها حرية الملكية
الفردية. اضطهد بسبب هذه الأفكار في بلاده إنجلترا، وهاجر منها لمدة إلى
هولندا. اشتهرت أفكاره في أمريكا وكانت أساسا للثورة الأمريكية. من أهم
كتبه:
مقالة في الفهم البشري
رسالتان في الحكم المدني
رسالة في التسامح
أولا: مطلب الفهم
يتأطر النص الماثل أمامنا ضمن مجزوءة
الوضع البشري، تحديدا مفهوم الشخص وهو البعد الذاتي الذي يشكل هذا الوضع، ويعالج
قضية الهوية الشخصية، ويمكن صياغة إشكال النص على الشكل التالي:
ما الذي يحدد الهوية الشخصية؟ ما الذي
يجعل الشخص هو هو في كل زمان ومكان رغم تغير مجموعة من مظاهره الخارجية؟ هل ينفصل
شعور الإنسان عن فكره؟
ثانيا: مطلب التحليل
أطروحة النص:
جوابا عن السؤال الإشكالي المطروح،
يؤكد صاحب النص على أن: التجربة الشعورية هي أساس الهوية الشخصية. بمعنى أن
الإنسان يبقى ثابتا كذات بفضل تجاربه الحسية التي ترافق تجربته الوجودية، بمعنى أن
الإنسان حينما يفكر فتلك الأفكار ليست فطرية -كما يقول ديكارت- بل هي مرتبطة
بالتجارب التي يمر منها الإنسان.
وهذا النص هو رد مباشر على الاتجاه
العقلاني لديكارت.
أفكار النص:
وقد انطلق صاحب النص في عرضه للأفكار
من الفكرة الأساسية التالية:
أن الشخص هو ذلك الكائن المفكر
والمطابق لنفسه، ووسيلته في ذلك هي الشعور. هذا الأخير الذي لا يقبل الانفصال عن
الفكر يقول جون لوك: لا يمكن لي كائن بشري، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر بأنه
يدرك إدراكا فكريا.
أما في الفقرة التالية:
فيذكر صاحب النص مجموعة من الأمثلة من
أجل التأكيد على أن الإنسان حينما يدرك إدراكا عقليا فلا يمكنه القيام بذلك إلا عبر
مجموعة من الإدراكات الحسية (الشم، السمع، التذوق، اللمس...). يخلص صاحب النص في
الفقرة الأخيرة إلى أن ما يجعل هوية الشخص ثابتة هو: ارتباط إدراكه الحسي بشكل
دائم بإدراكه العقلي في الزمان والمكان.
مفاهيم النص:
وقد وظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم
الفلسفية:
الهوية الشخصية: وهو مفهوم فلسفي يدل على الجوهر
الثابت لدى الشخص ويربطه جون لوك بالشعور.
الشخص: كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل.
الشعور: هو مجموعة من الإدراكات الحسية (الشم،
الذوق، اللمس، السمع..) التي من خلالها يدرك الإنسان ذاته ومحيطه والتي تكون لديه
إدراكاته العقلية.
العلاقة بين
المفاهيم:
إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة
تكامل وترابط وتلازم، لأن الشعور مرتبط بالهوية الشخصية وملازم لها، والهوية
الشخصية هي التي تحافظ على وحدة الشخص وثباته.
حجاج النص:
وقد وظف صاحب النص مجموعة من الحجج
والبراهين من أجل الدفاع عن دعواه، ومن بين هذه الحجج:
أسلوب التعريف: حيث يعرف في بداية النص مفهوم الشخص
من خلال قوله " ...كائن مفكر قادر على التأمل والتعقل).
أسلوب المثال: وذلك من خلال توظيف الفيلسوف لمجموعة
من الأمثلة:" الشم، السمع، الذوق، الإحساس..).
أسلوب الدحض: حيث يدحض الفيلسوف أطروحة ديكارت
القائلة بأن الشعور ينفصل عن الفكر.
ثالثا: مطلب
المناقشة
تتجلى قيمة هذا النص في تأكيده على
قيمة التجارب الحسية، أما من الناحية التاريخية فقد شكل هذا النص تجاوزا للاتجاه العقلاني
لديكارت، كما أثر هذا النص على مجموعة من المدارس الفكرية والفلسفية خاصة الأنجلو
سكسونية.
ولكن رغم أهمية النص إلا أن هناك عدة
مواقف أخرى معارضة لدعواه، نجد مثلا الفيلسوف العقلاني ديكارت يؤكد على أطروحة مغايرة
مفادها: أن هوية الشخص تتحدد بالعقل المجرد، باعتباره نورا فطريا، وهو
الوسيلة لحضور الذات أمام نفسها، فجوهر الإنسان هو العقل والخاصية الأساسية للعقل
هي التفكير حيث يقول: " أي شيء أنا إذن؟ أنا شيء مفكر." ومعنى ذلك أن
الإنسان يبقى ثابتا لأنه يفكر وحينما يتوقف عن التفكير فإنه يتوقف عن الوجود وهنا
يقول ديكارت: " أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود).
أما خلال القرن 19، فستظهر نظرية في
مجال علم النفس ستحاول تجاوز التصور الفلسفي، وستقول بأن جوهر الإنسان ليس هو العقل
ولا الشعور، بل هو اللاشعور وهو ما أكده الطبيب النمساوي سيجموند
فرويد مؤسس نظرية التحليل النفسي. وتؤكد هذه النظرية على أن الإنسان
يمتلك جهازا نفسيا هو الذي يتحكم في كل أفعاله وتصرفاته وينقسم هذا الجهاز النفسي
إلى ثلاثة عناصر:
الجانب الغريزي:
الهو، الجانب الواقعي: الأنا، الجانب الأخلاقي: الأنا
الأعلى.
رابعا: مطلب التركيب
من خلال تحليلينا لهذا المحور، يتبين
لنا أن إشكالية الهوية الشخصية، من أهم القضايا التي اهتم بها
الفلاسفة على مر تاريخ الفلسفة، وهو ما خلف جدلا مستمرا، حول الكشف عن
الماهية الثابتة التي تجعل الشخص ثابتا رغم تغير أحواله في الزمان والمكان، فهناك من
يربط الهوية بالجانب العقلي باعتباره هو المحدد للذات، وهو ما
يؤكد عليه الاتجاه العقلاني، وهناك من يحدده بالجانب الحسي الشعوري وهو
ما يؤكد عليه الاتجاه التجريبي. فيما جاءت نظرية التحليل
النفسي لتغليب الجانب اللاشعوري النفسي في تحديد الهوية
الشخصية، مؤسسة بذلك لاتجاه دينامي للهوية عكس التصورات
الماهوية في الفلسفة الكلاسيكية. خلاصة القول أن الهوية الشخصية لا يمكن
حصرها في جانب واحد وإهمال جوانب أخرى، لذلك فهي نتيجة تفاعل كل هذه الجوانب
العقلية والحسية والنفسية. لأن الإنسان كائن متعدد الأبعاد. وهو ما ينسجم
كذلك مع الفكر الفلسفي باعتباره فكرا متعددا ونسبيا. وفي الأخير
نتساءل: ما الذي يحدد قيمة الشخص؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire