الأربعاء، 20 مارس 2019

نذوة : الدين والفلسفة



المتدخلون في اللقاء
في إطار أنشطة الحياة المدرسية بثانوية محمد السادس أقام" نادي  الانصات والمواطنة " نذوة تحت عنوان: إشكالية العلم والدين" تكفل بمناقشتها وعرضها ثلة من الأطر التربوية بغية تنمية المهارات التواصلية للمتعلمين وتنشيط الحياة المدرسية. وذلك يوم الخميس بقاعة الأنشطة على الساعة الرابعة زوالا. انطلقت الندوة بتقديم الأستاذ رضوان أوشهابو للموضوع بعد الترحيب بالحضور  وقد أعطى الكلمة في البداية لمدير المؤسسة ذ: توفيق عبد الرحيم الذي رحب بالحاضرين وثمن مجهودات أعضاء نادي  المواطنة والانصات على المجهودات التي يقومون بها من أجل تنشيط الحياة المدرسية. كما أدلى بعدها ببعض الأفكار حول الموضوع. بعد ذلك أعطيت الكلمة لباحث من خارج المؤسسة، الذي كانت مداخلته بعنوان: اشكالية الغاية وهم القطيعة.  وأشاربعدها  الأستاذ رضوان شقرون إلى أن " النقذ يجب أن يكون مزدوج أي أن نقوم برؤية نقدية للعلم والدين معا، كما استحضر واقعة غاليلو وكيف حاكمته الكنيسة بناء على نصها المقدس." كما حث " على فصل مبدأ السببية عن الدين" . أما ذ طارق القطيبي. فقد انتقد جميع الفلسفات اليونانية والاغريقية والمسيحية وتساءل: هل يستطيع العلم الاجابة عن سؤال: كيف يموت الانسان؟ وما مصيره بعد الموت ؟
أما ذ رشيد إيهوم أستاذ مادة الفلسفة فقدم مداخلة بعنوان: الفلسفة والعلم في السياق الحضاري اللإسلامي . حيث ربط ضرورة الاجابة عن سؤال علاقة الدين بالفلسفة بعدم المواجهة بين المفهومين، كي لا يستقر في ذهن البعض أنهما مجالان متناقضان بل ركز على ما أسماه بالمجال" الأكسيومي لكل خطاب"، بذلك فهو يعتبر الدين خطاب له معقوليته التي تبرره بالنظر اليه كخطاب يتجه الى القلب وهدفه الايمان .أما الفلسفة فهي خطاب يتوخى الحقيقة ومنهجه العقل النظري. هذا بالإضافة الى وجود خطابات أخرى كخطاب الأسطورة وخطاب العلم وخطاب الايديولوجيا. وتوصل في الأخير إلى أن العلم والفلسفة لا يتناقضان إلا في الظاهر " ففي الفلسفة شيء من الدين كما في الدين شيئ من الفلسفة" على حد تعبيره.
أما الأستاذ حسن العسري أستاذ مادة التربية الاسلامية فقد انطلق مما انتهى اليه الأستاذ إيهوم. وطرح مجموعة من الاشكالات حول علاقة الدين بالعلم واستدل بالفلسفة في أوروبا الغربية مع ديكارت ونيتشه اللذين أكدا على "عدم إمكانية فصل الدين عن العلم."
وبعد ذلك تم فسح المجال للحضور من أجل المساهمة  بالمداخلات، وهي عبارت عن اضافات التلاميذ وأسئلتهم، التي أغنت الحوار وفتحت الباب أمام مزيد من اغناء النقاش والحوار. تلاها بعد ذلك تعقيب الأساتذة. واختتمت النذوة باشادة المسير بالأجواء الايجابية التي مرت فيها النذوة. وقد التقطت في النهاية صور تذكارية للقاء.
تقرير التلميذة : نورة لمكيمل (القسم: أولى علوم تجريبية2)

تأسيس نادي عبد الكبير الخطيبي للكتاب بثانوية الزرقطوني بمراكش

الجلسة الافتتاحية للقاء

انعقد  بثانوية الزرقطوني التأهيلية يوم ٣ مارس ٢٠١٥ على الساعة ٣ زوالا اجتماع يضم تلاميذ و أساتذة و إداريين في شأن تأسيس ناد للكتاب و كان بالقاعة المجاورة للمكتبة تحت إشراف القيمة على الخزانة وبحضور مجموعة الأساتذة والتلاميذ. كانت افتتاحية الجمع من طرف الاستاذ رشيد إيهُوم الذي  نشط اللقاء، رحب بالحاضرين وتحدث قيمة أنشطة الحياة المدرسية و سرد نقط جدول الأعمال .بعد ذلك وقبل البدء في انتخاب أعضاء النادي تم توزيع المداخلات بدءا بمداخلة الاستاذة المشرفة على الخزانة التي قدمت إطلالة موجزة عن أهداف النادي تم تدخل الاستاذ " محمد اشويكة" شريك داخلي و استاذ مادة الفلسفة و أعطى بعض الحلول للاطلاع على الكتاب و تعويض هذا الأخير بالكتاب الرقمي .
أما كلمة الاستاذ "كروم" مدرس مادة اللغة  العربية قد حاول أن يعطي  إطلالة على ما يروج في عالم الكتاب الحديث و حاول تشجيع التلاميذ على القراءة و الكتابة لتحسين المردودية الثقافية للمتمدرسين.
بعد ذلك تدخل استاذ اللغة الانجليزية لتشجيع التلاميذ على اللغات الأجنبية لانفتاحها على العالم الخارجي و لاكتسابهم ثقافات غربية.
في المرحلة الثانية  من اللقاء تمت عملية انتخاب لأعضاء النادي بطريقة ديمقراطية فأجمع التلاميذ و الأعضاء على أن يكون الإشراف من طرف الاستاذة القيمة على الخزانة لاحتكاكها بالكتاب.
تم جاء دور انتخاب الرئيس و جاء التصويت على التلميذة "حليمة اشكيح".عها تم التداول حول اسم النادي، حيث  تم الاتفاق على اسم " نادي عبد الكريم الخطابي " و اختتم التأسيس بكلمة شكر من طرف اللجنة المنظمة وبالتقاط صور تذكارية.

الثلاثاء، 19 مارس 2019

نشاط حقوقي: واجبات الجيل الصاعد اتجاه الممارسة الديمقراطية الوطنية




  ذ عبد الكريم الهواري.
نطم نادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان بالثانوية محمد السادس التأهيلية نيابة الخميسات ،لقاء تكوينيا لفائدة تلاميذ السنة الثانية من سلك الباكلوريا تحت شعار :"واجبات الجيل الصاعد اتجاه الممارسة الديمقراطية الوطنية" وذلك يوم الجمعة 24 مارس 2017م برحاب قاعة الأساتذة وقد اطر اللقاء الدكتور عبد الفتاح نعوم أستاذ زائر بكلية العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بسلا.
وقد افتتح اللقاء بكلمة ترحيبية لمنسق نادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان الأستاذ رشيد ايهوم أستاذ الفلسفة ومنشط اللقاء، حيث بين الأهمية البالغة التي يكتسيها الموضوع وأبعاده التربوية والتكوينية والوطنية. ثم أخذ الكلمة السيد عبد العزيز شهيد مدير ثانوية محمد السادس التأهيلية حيث رحب من خلالها بالأستاذ المؤطر و ثَمَّنَ جهود النادي في سبيل تنشيط  وتفعيل أدوار الحياة المدرسية بما يضمن انفتاح المؤسسة على محيطها السوسيو اقتصادي والثقافي ويساهم في توعية  الشباب بواجباتهم الوطنية ثم قدم الأستاذ المؤطر عرضا نظريا حول المحاور الآتية:
-              الديمقراطية ومفاهيمها وأنواعها ومدارسها.
-              ادوار الشباب ومسؤوليات المواطنة و اجراءاتها.

وبعد ذلك تم تأطير  مجموعة من الورشات قصد الاشتغال على تقريب وتبسيط المفاهيم حيث ستعرض بعد ذلك كل ورشة تقرير ا موجزا ومركزا لحصيلة أعمالها وقد كلل اللقاء التكويني بتوزيع شواهد المشاركة على المستفيدين  من مختلف الشعب بعد أخد استراحة شاي والتقاط صور تذكارية.

نموذج تحليل سؤال إشكالي مفتوح ( الدولة )


الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا

إنجاز: التلميذة فاطمة الزهراء القافز  ( 2 علوم إنسانية)



هل عنف الدولـــــــــــــــــة مشروع ؟


أولا: مطلب الفهم
   إن انتقال الانسان من حالة الطبيعة التي تتميز بالعنف والوحشية والهمجية، إلى حالة المجتمع الحضري المنتج للثقافة، كان ولابد من ايجاد وسيلة لضمان الأمن والسلم داخل هذه المجتمعات، فكانت الدولة بذلك هي الخيار الأنسب، ويأتي السؤال قيد التحليل والمناقشة ليضعنا ضمن المجال الاشكالي العام لمجزوءة السياسة، تحديدا مفهوم الدولة باعتبارها تجمعا سياسيا على أرض محددة بهدف حماية النظام عبر مجموعة من المؤسسات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. والسؤال الماثل أمامنا يعالج بالتحديد اشكالية الدولة بين الحق والعنف، الشيء الذي يجعلنا نطرح عدة اشكالات نصوغها كالآتي:
هل تتأسس الدولة على الحق أم على العنف؟ و هل عنف الدولة مشروع؟ ومتى يعتبر عنفها مشروعا؟
ثانيا: مطلب التحليل
      قبل شروعنا في تحليل ومناقشة منطوق هذا السؤال، لابد من من  الكشف أولا عن معاني ودلالات الألفاظ التي يتضمنها، إذ نجد أنه جاء بصيغة الاستفهام "هل" وهي أداة غالبا ما تقرن بين قضيتين اثنتين أو اجابتين مختلفتين فتحتمل بذلك الصدق أو الكذب. كما أنها تحيل على أطروحة فلسفية مصرح بها، وأخرى ضمنية، ومن بين المفاهيم التي يتضمنها السؤال نجد مفهوم "العنف" ويقصد به " الاستعمال المفرط للقوة تجاه الاخر أو العالم الخارجي بنية اخضاعه لإرادة الذات "، كما نجد أيضا مفهوم "الدولة" وهي "تنظيم سياسي لجماعة ما على أرض محددة بهدف حماية القانون وتأمين النظام وذلك عبر مجموعة من المؤسسات الادارية والاقتصادية والاجتماعية. كما يحضر مفهوم المشروعية ويقصد به " الحالة التي تكون فيها الحقوق الانسانية الأساسية هي المحدد الأول للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأسس التي تقوم عليها الدساتير والقوانين. والعلاقة ابين هذه المفاهيم هي علاقة تلازم إن أخذناها من زاوية التأكيد على مشروعية العنف، وفي حالة العكس باعتبار العنف لا يجوز المشروعية فان العلاقة تصير علاقة تضارب.
إن السؤال الذي بين أيدينا يحيل على أطروحة فلسفية مفادها أن الدولة من حقها أن تمارس العنف المتسم بسمات الشرعية، وذلك بهدف حماية النظام، وفقا لقوانين وأنظمة محددة. فلا يمكن إنكار أن جميع الدول تقوم وتتأسس على العنف، وأن الدولة هي الجهاز الوحيد الذي يحتكر جميع وسائل العنف والقوة، وهذه هي الخاصية التي تميزها. ونجد لهذه الأطروحة حضورا قويا لدى السوسيولوجي الألماني "ماكس فيبر
 Max Weber  (1864-1920)  الذي يؤكد بدوره على أن الدولة من حقها اللجوء إلى العنف الشرعي، بهدف  حماية النظام والأمن داخل المجتمع، وصد كل السلوكات التي من شأنها أن تهدد النظام العام، فلا يمكننا أن نغفل حقيقة أن الدول كانت ولازالت تتأسس على العنف الشرعي، غير أنه ليس جميع الدول من حقها ممارسة العنف، فالدول الدكتاتورية الاستبدادية عندما تمارس العنف يكون عنفها غير مشروع ،لأنه يكشف عن ضعفها وفقدانها للشرعية. عكس الدول الديموقراطية والتي عندما تمارس العنف يكون ذلك بشكل مشروع لأنها تعطي بالمقابل للأفراد حقوقهم وتضمن حرياتهم، لذلك فالدول الدكتاتورية لا تستطيع المضي قدما ومصيرها الانهيار والزوال، لذلك نجدها أنها في حالة قيام المنظمات أو الأفراد بتهديد أمنها، فإن من الواجب عليها التصدي لهم عبر استعمال العنف المشروع وذلك عبر مجموعة من الوسائل مثلا: الجيش- الشرطة- القضاء- السجن...الخ. فهل إذن يمكن للدولة أن تستغني عن العنف؟ لايمكنها ذلك بطبيعة الحال، لأنها إن أعطت الحرية المطلقة للأفراد فلامحالة ستعود الأنانية، وتعود معها حالة الطبيعة، حيث القوي يأكل الضعيف، يقول فيبر في هذا الصدد :
" إن وجود الإنسان داخل المجتمع وجود يحميه، عنف الدولة المتسم بسمات العنف الشرعي."
إن لموقف فيبر ما يبرره من الناحية السوسيولوجية، التي تنظر للمجتمع كمجال للصراع بكل موضوعية، وبدون أي رهان أخلاقي. وهو ما يعطي لهذا الطرح أهميته وقيمته في مجال علم الاجتماع السياسي والفكر الفلسفي عموما، إلا أنه لا توجد أطروحة إلا ولها هفواتها وحدودها. فإلى أي حد يمكن اعتبار عنف الدولة مشروعا؟ هل فعلا هو السبيل الوحيد لتأمين النظام؟
ثالثا: مطلب المناقشة
   بعد تحليلنا لهذا السؤال نقوم باستحضار مجموعة من الفلاسفة حيث نجد الفيلسوف والمفكر المغربي عبد الله العروي الذي يؤكد على أن الدولة لابد لها من عنصرين أساسيين وهما الأجهزة  :" الادارة، الحكومة، البرلمان..."وكذا الأدلوجة وهي الفكرة الذهنية التي تجعل المواطن يقتنع بفكرة الدولة، لكي تحقق هذه الأخيرة مشروعيتها، والدول القائمة في المجتمعات العربية هي دول فاقدة للشرعية والاجماع، إنها دول القهر والعنف، وفي الاتجاه المعاكس لفيبر  نجد جاكلين روس والتي تعتبر أن دولة الحق هي من تتمسك بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف  والتخويف وتمثل دولة الحق نموذجا للدولة المعاصرة، والتي حددتها بقولها " إنها دولة فيها حق وقانون يخضعان معا لمبد احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الانسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف." فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة".
رابعا: مطلب التركيب
         لقد مكننا تحليل ومناقشة اشكالية الدولة بين الحق والعنف إل الخلاص بمدى صعوبتها حيث أن المواقف تعددت واختلفت إلى حد التناقض، بين من يرى على أن الدولة من حقها أن تمارس العنف المشروع، وبين من يرى على أن الدولة يجب أن تتأسس على الحق . ومن وجهة نظرنا فلا يمكن أخذ موقف دون الاخر لتكوين تصور واضح حول الاشكالية، فلكل موقف مايبرره من الناحية الفلسفية، والخلفيات النظرية التي ينطلق منها كل فيلسوف، لذلك يمكن القول اجمالا بأن الدولة من حقها أن تمارس العنف المشروع، لكن من واجبها بالمقابل ضمان حقوق جميع المواطنين أولا. وفي الأخير يمكن أن نتساءل: ماسبب العنف في التاريخ؟ هل الدولة أم الأفراد؟

السبت، 1 ديسمبر 2018

فيلم "شجرة الحياة": رحلة سيريالية لاكتشاف أسرار الكون





أمير العمري

بعض الأفلام لا يمكن الاكتفاء بمشاهدتها مرة واحدة فقط للإحاطة بها وبكل ما تتضمنه من إشارات، ورموز، وإيحاءات ، ومعان، وصور، قد تبدو متعارضة أو متناقضة أو ربما توجد في سياق لا يسهل تفكيكه بصريا للوهلة الأولى، أو من المشاهدة الأولى.

من هذه الأفلام الفيلم الحائز على "السعفة الذهبية" في "كان" والذي كنا ننتظره منذ سنوات، وهو فيلم "شجرة الحياة" The Tree of Life للمخرج الأمريكي تيرنس ماليك.

وقد شاهدت الفيلم للمرة الأولى عند عرضه في مسابقة مهرجان كان السينمائي ولكني عدت لمشاهدته مرة ثانية في اليوم الأخير من أيام المهرجان حينما يعاد عرض جميع أفلام المسابقة في مواعيد محددة لمن فاته مشاهدة البعض منها. وفي المشاهدة الثانية، أمكنني أن أتأمل، وأغوص في أعماق الفيلم، وأتمكن ولو بشكل ما، من تفكيك بعض عناصره، والأهم من هذا، الاستمتاع به وبإيقاعه الموسيقي الذي يقترب من إيقاع السيمفونية بل هو أقرب الى البناء السيمفوني ولكنه هنا، بناء بصري، مركب بدقة وبحيث يعبر عما يدور داخل عقل وقلب ووجدان ذلك السينمائي الأشهر الذي لم يخرج سوى خمسة أفلام فقط خلال ما يقرب من 40 عاما، وهذا الفيلم هو خامسها.

يتعين علي الاعتراف بأن "شجرة الحياة" من الأفلام التي يطلق عليها البعض "أفلاما صعبة" أي مركبة في بنائها ودلالاتها، فليس من الممكن قراءة واستيعاب كل ما تتضمنه من معالم وإشارات، من المستوى الأولى الخارجي، بل لابد من الغوص قليلا في أعماقها لكي يتمكن المشاهد من الاستمتاع بها.

تيرنس ماليك ليس كسائر المخرجين الأمريكيين، فهو ينتمي إلى فصيلة أورسون ويلز، أي أنه لا يخضع للمواصفات السائدة التي تفرضها ستديوهات هوليوود على المخرجين الأمريكيين وغير الأمريكيين في العمل، بل يعبر عن رؤيته الخاصة للعالم، من خلال إعادة تشكيل الأدوات التي يستخدمها في التعبير عن تلك الرؤية. هذه الرؤية تجنح عادة في كل أفلامه، إلى الميتافيزيقي والروحاني مضمونا، وتميل في "شجرة الحياة" بوضوح، إلى السيريالي شكلا.

هنا نحن أمام شخصية رئيسية هي شخصية "جاك" الذي نراه في البداية بعد أن أصبح رجلا في الخمسين من عمره أو ما يزيد، يعمل في أحد مكاتب الهندسة المعمارية في نيويورك، لكنه وهو ينشغل بالتطلع الى التصميمات الهندسية على شاشة الكومبيوتر، يسرح ببصره إلى النوافذ الزجاجية الضخمة التي تحلق على غابة ناطحات السحاب في المدينة المتوحشة، يتطلع إلى الماضي، ويعود بذاكرته إلى نشأته وهو بعد صبي، في بلدة من ولاية تكساس في خمسينيات القرن الماضي. وهكذا يعبر بنا تيرنس ماليك، من الحاضر الذي لا يعيره عادة اهتماما كبيرا ويعتبره مرادفا للتفكك والانهيار الروحي والأخلاقي والاجتماعي والإنساني، إلى الماضي الذي يعبر من خلاله في كل أفلامه السابقة، عن نزعة "ماضوية" بالمعنى الفلسفي، أي باعتبار الماضي مرادفا للبراءة، للبدايات، لتفتح الوعي على مكونات الدنيا والعالم، لطرح التساؤلات الصعبة عن معنى الوجود، ومغزى تلك الحياةعلاقة الإنسان بالطبيعة، وما يفعله بنا فراق الأحباء بالموت، بل ومغزى الموت نفسه. كل هذه المعاني لها ما يعادلها بصريا في سياق هذا الفيلم الذي قضى مخرجه نحو ست سنوات قبل أن يتمكن من الشعور بالرضا عنه، وجاء في ساعتين و18 دقيقة. 

جاك يمرح مع شقيقيه في المزارع امحيطة ببيت الأسرة، ولكن ما هو أهم من الشقيقين والأكثر تأثيرا على حياة جاك وشقيقيه، هما الأب والأم، وهما شخصيتان مفصليتان في الفيلم: الأب يدعى مستر أوبريان دون أن نعرف اسمه الأول (يقوم بدوره ببراعة نادرة الممثل براد بيت ربما في أهم أدواره على الإطلاق حتى الآن).. وهو رجل حائر ممزق بين ميوله الفنية الموسيقية في الماضي التي لم تتحقق، وما يمكن أن يكون قد نتج عن ذلك من "إحباط"، وبين دوره الحقيقي الآن كموظف في شركة أو مصنع قريب للمواد الزراعية في تلك المنطقة الريفية التي تتميز بغاباتها ومزارعها الشاسعة الخلابة.

إنه يعزف على آلة الأورج، وعلى البيانو في المنزل، ويدير أسطوانة السيمفونية الرابعة لبرامز خلال العشاء، لكنه أيضا يتمتع بروح "عملية" تهتم بالبيئة حقا ولكن على أسس منفعية مباشرة، وهو يربي أولاده بطريقة خشنة، جافة، رغبة منه في تنشئتهم أقوياء. وهم لذلك يشعرون بالخوف أمامه، لكنهم يحملون له ايضا الحب: إنه شكل أقرب إلى مزيج من الاحترام والهيبة، والتقدير والعرفان والارتباط بقوة أكبر، يمكنها أن تمنح الشعور بالأمان، لكنها تفرض شروطا معينة من الانضباط السلوكي في مقابل ذلك.

أما الأم فهي على النقيض من ذلك الطابع الجاف المهيمن، إنها امرأة متدينة شديدة التعمق في تأملها الصوفي الذي يجعلها تربي أبناءها على عدم اغضاب أحد، وهي تتمتم بآيات من الأنجيل قبيل تناول الطعام. إلا أنها تصاب بصدمة هائلة، تتعرض لها الأسرة كلها أيضا، بل وتفجع بتلقي خبر وفاة ابنها الغائب، على الأرجح في الحرب الكورية، فنحن نشاهد عسكريا شابا يأتي لابلاغها بالنبأ المحزن قبل أن يختفي بسرعة.

الأم تخوض في رحلة روحية تلغي الحدود بين الواقع والخيال، اهتمامها بأبنائها يصل درجة الهوس خوفا عليهم ورقتها مبالغ بها، في التعامل معهم على النقيض من الأب (أوبريان) الذي يمثل نوعا من الرمز الذي يجمع بين القوة والجبروت والرقة، وبين الفن والروح العملية، وبين الخشونة الذكورية، والالتزام بالتقاليد الأسرية.

أما بطلنا جاك فهو ذلك المتأمل الذي نسمع صوته على مقاطع من الفيلم يروي لنا جوانب من تلك التجارب الأولية التي تركت تأثيرها القوي عليه، في حين يسحبنا تيرنس ماليك خارج هذه العائلة التي يعتبرها أصل المجتمع الدنيوي وأساسه، بعد حوالي 20 دقيقة من بداية الفيلم، في رحلة "أوديسية" سيريالية تتشكل الرؤى فيها من لقطات عديدة تتشابك وتتعاقب في تشكيلات لونية مذهلة، شديدة الجمال، تمتزج بالموسيقى الكلاسيكية فتصبح تعبيرا روحيا عن ذلك الأفق الأوسع الذي يصبح فيه العقل البشري أدنى مما يعتقد، وأقل من أن يحيط ويستوعب: تشكيلات لصور من النباتات والأشجار والسحب والمحيطات والحشرات، ولنهر يعرج على احدى ضفتيه ديناصور جريح بينما يقترب منه ديناصور آخر، صحراء قاحلة برمالها الناعمة التي تنعكس عليها أشعة الشمس الحارقة، مجموعات من الكواكب والنجوم تدور في مجراتها.. إنها عودة إلى أصل الحياة، أصل الكون، الوجود: ما الذي يجعله يستمر، ما معنى الحياة نفسها، كيف يستمر الإنسان رغم الموت، ما الذي يمكن أن يسلب الإنسان الحياة. تساؤلات غير مباشرة تدور تحت جلد الصور دون أن ترتبط بالضرروة ارتباطا "دراميا" بمسار الفيلم.

 

هذه اللقطات السيريالية تستغرق نحو 18 دقيقة على دفعتين، وقد استعان المخرج في تنفيذها بخبير المؤثرات البصرية الشهير دوجلاس ترومبل المسؤول عن المؤثرات المشابهة التي استخدمها ستانلي كوبريك في فيلمه الأشهر "2001.. أوديسا الفضاء" وهو ما جعل البعض يقارن بين "شجرة الحياة" وبين فيلم كوبريك، من حيث علاقة الفيلمين بعالم الميتافيريقا، وبالبحث الشاق عن أصل الوجود.

وعلى الرغم من الصور الخلابة، والاستخدامات المحسوبة بدقة لحركة الكاميرا (وهي تتحرك كثيرا في هذا الفيلم) والاختيار الدقيق لزوايا التصوير بحيث تصبح العلاقة بين الشخصيات والمكان، بين الإنسان والعالم، علاقة عضوية وثيقة ذات مغزى في السياق، ورغم أن خمسة من المونتيرين عملوا على التحكم في مسار الفيلم، وحساب الانتقالات بين مشهد وآخر، وبين التجسيد المباشر، إلا أن الفيلم يعاني من بعض الاستطرادات والتكرار خاصة في المشاهد التجريدية للطبيعة والكون، والانفجارات الكونية، كما يفتقد الفيلم الى الرابط بين ظهور جاك (شون بن) في النهاية وبين الشذرات التي شاهدناها من حياته.. إن المدخل الدرامي للفيلم، أي شخصية جاك تضيع وتضل في النهاية عندما يظهر وهو يسير على شاطيء يغوض بقدميه مرتديا بزلته الرسمية وربطة عنقه، داخل المياه مبتعدا تدريجيا دون أن نعرف علام استقر ضميره أو انتوت نيته. لكن المؤكد أنه لم يصل قط إلى اليقين.

من البديع أن نجلس لنشاهد ونتأمل كل ذلك السحر الذي يكمن في مشاهد "شجرة الحياة"، نرتد إلى أصل الخلق، وأصل الحياة، نحاول أن نفهم سر وجودنا ووجود الكون والعالم، لكن الأهم في رأيي، ولعله من أهم ما نخرج به من هذا الفيلم الكبير، أننا نخرج ونحن أكثر حبا للطبيعة ولجمال الحياة، وأكثر تقديرا وحبا للخالق العظيم الذي صنع كل هذا الجمال في الكون، وكل ذلك التوازن، في الحياة، وفي الفن أيضا!




الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

ملخص كتاب منهجية الإنشاء الفلسفي



هذا العمل هو ملخص كتاب (منهجية الإنشاء الفلسفي) للأساتذة: (شفيق اكّريكّر، محمد بوتنبات ومحمد الخلوفي)، 
 وفيه مجموعة من الخطوات المرتبطة بمنهجية الإنشاء الفلسفي ( النص، القولة، السؤال).

الاثنين، 18 ديسمبر 2017

منهجية تحليل قولة فلسفية مرفقة بسؤال



ما المقصود بالقولة الفلسفية؟

تعريف: القولة citation: مقتطف من نص لكن ليس كل مقتطف من نص قولة، لأن الشرط الأساسي الذي ينبغي توفره، كي نعتبر مقتطفا من نص قولة، هو إحالته المباشرة أو غير المباشرة على موقف فلسفي أو علمي.
القولة بنية لغوية ومعنوية متكاملة العناصر، تطرح إشكالا فلسفيا واحدا، وتتخذ منه موقفا، وعموما، فالقولة الفلسفية أو العلمية هي موقف فلسفي أو علمي إزاء جدل أو مشكل فلسفي مطروح.

كيف أحلل وأناقش قولة فلسفية  أو علمية؟

ملاحظة: القولة هي الاختيار الثاني ضمن الاختيارات الثلاثة التي يأتي بها الامتحان النهائي.
تتضمن القولة الفلسفية موقفا فلسفيا أو علميا يحيل على إشكال أوو إشكالين ينتميان إلى مفهوم م واحد أو أكثر من مفاهيم المقرر.
تأتي القولة في صيغة تقريرية ومختصرة، وهي في الغالب قول لفيلسوف أو عالم.
ترفق القولة عادة بسؤال: فإما " حلل وناقش القولة" ، وإما "  حلل القول وأبرز حدوده وأبعاده"، وإما " حلل، متبوع بسؤال معرفي ذي صلة بموضوعها ولإشكالها"
تتم الإجابة عن القولة باحترام نفس الخطوات المتبعة في السؤال والنص مع وجود بعض الاختلافات.
أثناء تحرير الموضوع، وفي حالة عدم التيقن من صاحب القولة، يستحسن عدم ذكر اسمه. لتحليل قولة فلسفية أو علمية نقوم باتباع الخطوات الموالية:
I.  مطلب الفهم  
نقوم فيه ب:
1.تمهيد مناسب للقولة : تأطير عام للقولة، يتم فيه الأخذ بعين الاعتبار موضوعها ومجال انتمائها.
ملاحظة: قبل الشروع في كتابة التمهيد، لابد من القيام بعمليات أولية من قبيل: تفكيك القولة: تم إبراز العلاقات الموجودة بين المفاهيم والألفاظ المكونة لها.
حصر القولة ضمن إشكال فلسفي محدد، مع إبراز أي مواقف تحيل عليه ضمن الإشكال.
II. مطلب التحليل 4ن

1.تحديد أطروحة القولة وتوضيحها.
2.شرح مفاهيم القولة وبيان العلاقات فيما بينها.
3.ينبغي تقديم بعض الحجج التي يفترض أن تكون مدعمة لها. ويمكن حصرها في: أمثلة/ أدلة وصفية وتاريخية، شهادات وأقوال لفلاسفة أو علما/ براهين واستدلالات عقلية.
ملاحظة: أثناء المحاججة على الأطروحة لا ينبغي إقحام الأساليب البلاغية وكذا الروابط اللغوية والمنطقية.

III. مطلب المناقشة: 4ن

ملحوظة: هناك نوع واحد فقط من المناقشة في القولة، هي المناقشة الخارجية.
وفيها يتم يتم نسج حوار بين الأطروحات التي تصرح بها القولة وأطروحات أخرى، قد تكون مدعمة لها، كما قد تكون معارضة لها، الهدف منه هو إبراز قيمة الأطروحة وأبعادها.
تبيان حدود الأطروحة : من خلال الإشارة إلى أهم الانتقادات التي وجهت لها من لدن فلاسفة آخرين.
إبراز القيمة المعرفية للقولة، وذلك عن طريق تبيان المرتكزاتوالأسس الفلسفية والإيديولوجية التي بنيت عليها.
الإشارة إلى الرهانات والأبعاد التي تروم القولة تحقيقها والتأكيد عليها.

IV. مطلب التركيب: 3ن

نقوم في هذا المستوى بالعمليات التالية:

1.     خلاصة موجزة ومركزة للأفكار والآراء التي تم التطرق لها في اللحظات السابقة.
2.     إبداء الرأي في الموضوع مع تبرير ذلك بحجج وأدلة دامغة.
3.الجوانب الشكلية: 3ن

يكون الموضوع جيدا إذا استوفى الشروط التالية:
سلامة اللغة وخلوها من الأخطاء
حسن الانتقال والتخلص من فكرة إلى أخرى
الحرص على تنظيم الورقة على شكل فقرات
الكتابة بلغة مقروءة وواضحة /انسجام وتماسك الفقرات/ احترام علامات الوقف والترقيم.

*محمد بهاوي: دروس الفلسفة لتلامذة البكالوريا.


الاثنين، 11 ديسمبر 2017

تصحيح فرض محروس حول الحرية والضرورة






" أرى أن أي إنسان مقتنع بحيازته لحرية الاختيار أو حرية الإرادة، يتميز بإحساس أعظم بالمسؤولية يفوق الشخص الذي يعتقد أن الحتمية الشاملة تسود العالم وتتحكم في حياة البشر. وتعني الحتمية أن تيار التاريخ، وما يحمله من شتى مظاهر الاختيارات والأفعال الإنسانية، تحدد مساره مسبقا تحديدا كاملا منذ بداية الزمن.
إن من يعتقد أن كل ما هو كائن قد تحددت له كينونة ما، بمقدوره أن يحاول التنصل من المسؤولية الأخلاقية المترتبة عن ارتكاب الفعل الخاطئ، كالزعم بأنه كان مجبرا على فعل ما فعله، لأن هذا الفعل كان مقدرا تبعا للقوانين الصارمة التي تربط السبب بالنتيجة.
أما إذا الاختيار الحر موجودا حقا في لحظة الاختيار، فلا يخفى أنه في هذه الحالة، سيتمتع الناس بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة لاتخاذ القرار والاختيار بين بديلين أو أكثر  من البدائل الحقيقية. وبذلك لا يكون لحجة الحتمية أي وزن."




مطلب الفهم: 4ن
       الوضع البشري هو مجموع الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان داخل العالم. هذا الوضع المركب الذي تتداخل فيه عدة أبعاد أهمها البعد الفردي الذي يحيل على مفهوم الشخص، ويعني الذات كل ذات عاقلة وواعية وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها .والنص الماثل أمامنا ينتمي إلى هذا المجال الإشكالي، ويعالج الشخص بين الحرية والضرورة، وهي إشكالية فلسفية استرعت اهتمام الكثير من الفلاسفة .ويمكن بسط إشكاله على الشكل التالي: هل الشخص حر أم خاضع للضرورة؟ هل سلوك الشخص ناتج عن إرادة حرة وواعية أم أنه نتاج إملاءات الضرورات والحتميات ؟وكيف يساعد القول بالحرية المطلقة للإنسان على القدرة على تحمل المسؤولية الأخلاقية؟ وهل الحرية تتأسس بشكل مجرد أي أنها مفصول عن كل سياق اجتماعي وتاريخي؟ أم أنها رهينة ذلك؟
مطلب التحليل : 5
      بتسليطنا الضوء على النص، يظهر أنه يعرض أطروحة مفادها: أن الشخص يتمتع بالحرية المطلقة وليس خاضعا للحتميات والضرورات، ويؤكد عل أن القول بالحرية يجعل الشخص يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن كل أفعاله عكس الشخص الذي يؤمن بالحتمية.
وترتبط أطروحة النص بمجموعة من المفاهيم الرئيسية التي تشكل بنيان النص المفاهيمي والدلالي ومن بينها:
مفهوم الحرية: تصرف الذات بدون أي قيد داخلي كان أو خارجي
مفهوم الحتمية: هو الإيمان بأن كل حوادث ومجريات التاريخ لا يمكن التحكم فيها، ولا قدرة للإنسان على التحكم فيها.
مفهوم المسؤولية الأخلاقية: هو قدرة الشخص على تحمل كل العواقب الناتجة عن سلوكه سلبية كانت أو ايجابية.
إن العلاقة بين هذه المفاهيم هي التي  تنسج أطروحة النص، والتي ترتبط فيما بينها بشكل عضوي  ووطيد بحيث أن الشخص المؤمن بالحرية تكون له المسؤولية الأخلاقية على أفعاله أكثر من المؤمن بالحتمية الذي يعتبر ان أفعاله ناتجة عن عوامل تتجاوز إرادته الحرة وبالتالي لا يستطيع تحمل مسؤولية أفعاله. إذن فالعلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي علاقة تضاد.( الحرية/الحتمية، تحمل المسؤولية الأخلاقية/التنصل من المسؤولية).
إن الخطاب الفلسفي خطاب حجاجي بامتياز لذلك فقد وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية قصد جعل أطروحته أكثر صوابية ومثانة. إذن كيف يدافع صاحب النص عن أطروحته، وكيف يعمل على نفي الأطروحة المعارضة؟
العنصر الحجاجي الأول تمثل في:
حجة التعريف (حيث يعرف مفهوم الحتمية) ويدل عليه في النص " وتعني الحتمية أن..."
حجة المثال: إعطاء مثال الشخص الذي يعتقد بالحرية " إن من يعتقد"
حجة المقارنة: المقارنة بين الشخص الذي يؤمن بالحرية والشخص الذي يؤمن بالحتمية "أرى أن أي إنسان...يفوق الشخص الذي يعتقد أن الحتمية الشاملة تسود العالم"
حجة النفي: نفي الفكرة القائلة بأن الإنسان خاضع للحتمية من خلال قوله " لايكون لحجة الحتمية أي وزن"
مطلب المناقشة:5ن
   لقد استطاع صاحب من خلال توظيفه لعدة مفاهيم أساسية ( الحرية، الحتمية، المسؤولية الأخلاقية)، وكذا استعانته بعدة أساليب حجاجية ( النفي، المثال، التأكيد..) أن يبلور أطروحة فلسفية مقنعة أكدت على أن الإنسان يتمتع بحرية مطلقة تمكنه من تحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه أفعاله أكثر من الشخص الذي يؤمن بالحتمية.      
لكن رغم ذلك يمكن التساؤل إلى أي حد يمكن القبول بهذا الموقف كحل وكجواب عن الإشكال المطروح. هل يمكن التسليم بحرية مجردة مفصولة عن شروط التاريخ والمجتمع؟ وهل الشخص ذات لاتحدها أي ضرورة؟
وبما أن مجال الفلسفة هو مجال صراع الأفكار واختلاف المواقف فمن الطبيعي أن نجد من يذهب إلى عكس ما ذهب إليه صاحب النص، وفي هذا الصدد نجد الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي الذي يتنطلق من تبيان مفهوم الإنسان الذي يتحقق في نظره من خلال عملية التحرر من وضعية الكائن إلى الشخص، فهو يعتبر أن الإنسان كائن وشخص، كائن يخضع لضرورات، أي لشروط بيولوجية واجتماعية وتاريخية، وشخص يمارس حريات. لكن هذه الحرية تكون مشروطة بالوضع المجتمعي، بمعنى أنها ليست مطلقة وليست ذاتية، بل تتحقق حينما ينفتح الشخص ويتجه صوب الآخرين ومنه يستطيع، شخص له نواياه أي مقاصده التي تجعل أفعاله أفعالا قصدية وليست آلية، تسمح له بتفهم الوضع الذي يعيش فيه وتمكنه من اختيار الوسائل الملائمة لتجديد بناء ذاته، وهذه القصدية الواعية هي التي تضفي طابع الحرية على الفعل الإنساني.
إن الشخص إذن كائن حر في ظل شروط يتفاعل معها، الأمر الذي يجعل الحرية فعلا وليس صفة، فعلا يتشخصن به ويحقق به كماله العقلي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي. وبقدر ما أن الشخص حر ويسعى إلى تحقيق ذاته بحسب ما يريده في المستقبل، فهو أيضا ملزم أمام نفسه وأمام المجتمع، بأن له قضايا إنسانية واجتماعية يضع نفسه في خدمتها.
هكذا فالحرية حسب عزيز لحبابي، ليست مجرد حرية نظرية ذاتية، بل إنها حرية مجتمعية وتاريخية، إنها حرية ملتزمة بقضايا المجتمع . والشخص الحر في ظروفه هو الشخص القادر على تحويل الظروف من عوامل تتحكم فيه وتوجهه، إلى إمكانات يتحكم فيها وبها لبناء ذاته وتجديد شروط حياته.
كما أن هناك في المقابل مواقف تؤكد على غياب التام للحرية الإنسانية كما يؤكد ذلك الفيلسوف باروخ اسبينوزا الذي يدحض التصور العام الذي يعتقد أن الإنسان ذات حرة لمجرد قدرته على التفكير و المعرفة و الوعي يقول اسبينوزا "....تلك هي الحرية الإنسانية التي يتبجح الكل بامتلاكها و التي تقوم فقط في واقعة أن للناس وعي بشهواتهم و يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا ".
ويرى أن الشعور الحدسي للإنسان بأنه قادر على الاختيار هو شعور واهم ،و ما يجعله يعتقد أنه حر هو جهله بالأسباب المتحكمة في الاختيار بالفعل .

مطلب التركيب:3ن    
      من خلال تحليلنا ومناقشة للنص الماثل أمامنا نخلص إلى أن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية من بين أهم إشكالات الفلسفة التي حظيت باهتمام يراع (قلم) الفلاسفة والمفكرين، وقد أفرزت لنا مجموعة من المواقف المتعارضة، فمن جهة يؤكد النص على حرية الإنسان المطلقة التي تمنحه بالتالي شعورا بالمسؤولية الأخلاقية عكس من يؤمن بالحتمية الشاملة، لكن من جهة أخرى هناك مواقف أخرى تؤكد على عكس ذلك  كمايؤكد مثلا اسبينوزا الذي ينفي المحرية عن الشخص ويرتبط الشعور بها بالجهل الذي يصاحب الإنسان عن علل و أسباب أفعاله الحقيقة أما محمد الحبابي فهو يتفق مع الحرية لكن ليس الحرية الذاتية والمجردة لكن الحرية المشروطة بظروف التاريخ والمجتمع. أما من وجهة نظري فإنني أرى أن  الإنسان تحده محكوم بمجموعة من الحتميات ( طبيعية، ثقافية، بيولوجية...) لكن وعي الانسان بهذه المحددات والشروط هي ما يمنحه حريته.بناء على ماسبق يمكن أن أتساءل في الأخير:هل الغير يحد من حريتنا؟/
الجوانب الشكلية 3ن
( تماسك العرض1ن+سلامة اللغة 1ن+وضوح الخط1ن)