الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022

دروس الفلسفة: نموذج تحليل نص فلسفي ( مفهوم الشخص)



الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا جميع الشعب

المجزوءة: الوضع البشري

المفهوم: الشخص



" تكمن التربية في عملية التنشئة الاجتماعية الممنهجة، التي يتلقاها الجيل الشاب. يمكن القول، إنه داخل كل واحد منا، يوجد كائنين لا يمكن الفصل بينهما إلا على المستوى التجريدي. أحدهما يتكون من كل الحالات الذهنية التي لا ترجع إلا إلى ذواتنا وإلى الأحداث المتعلقة بحياتنا الشخصية: وهذا ما نسميه بالكائن الفردي. والآخر هو عبارة عن نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة، بل بالجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، تلك هي المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها. ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون الكائن الاجتماعي، ودور التربية هو تكوين هذا الكائن بداخلنا."

Emile Durkheim : Education et sociologie, Librairie Fant 7, 2006. P 17 -19 – 20.

                      حلل (ي) النص وناقشه (يه).

 

مطلب الفهم:

 وجب تأطير النص ضمن إطاره العام المتعلق بمجزوءة الوضع البشري، ثم مجاله الخاص المرتبط بمفهوم الشخص ثم تحديد القضية الأساسية التي يعالجها وهي قضية الهوية الشخصية، وتضمين ذلك في شكل تمهيد مناسب يتضمن مفارقة. أي لابد أن يعطي التمهيد المبررات الكافية لطرح الإشكالية تعطي المبرر الكافي لطرح الإشكالية المتعلقة بالهوية الشخصية.

 نموذج مقترح لكتابة المقدمة

           من خلال القراءة الأولية للنص، وانطلاقا من بعض المفاهيم الواردة فيه (الكائن الفردي، الجماعة، الكائن الاجتماعي...)، ستبين لنا بأنه يتأطر ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة الوضع البشري، ويقصد بالوضع البشري مختلف المحددات التي الأساسية الفردية والغيرية والزمانية، التي تحدد وتحصر الوجود الإنساني في العالم، ويتسم هذا الوضع بالتداخل والتركيب بين كل هذه المحددات، ويحيل النص على مفهوم الشخص بما هو ذات يتجاذبها بدورها -كما توحي لنا القراءة الأولى للنص- مستويات فردية وجماعية. بمعنى أن الهوية الشخصية هي التي تجعل الذات تحافظ على وحدتها لكن التي تتحول على حسب الظروف. وهي الإشكالية التي يقاربها النص، وهي من القضايا الفلسفية التي استرعت اهتمام الفلاسفة والمفكرين والعلماء على مر العصور، لاستكناه حقيقة الإنسان. ومن خلال ما سبق يمكن أن نطرح إشكالية النص على الشكل التالي: ما الذي يحدد هوية الشخص؟ هل تتحدد هويته بشكل داخلي فردي؟ أم تتحدد بشكل اجتماعي؟ بمعنى هل أن الهوية الشخصية تنطلق من الفرد نفسه وأحاسيسه الداخلية وتركيبته النفسية والذهنية؟ ـأم أن الهوية الشخصية تنطلق من المجتمع عبر مختلف المعايير والقيم والعادات لتشكل الهوية الشخصية؟

وإلى حد يمكن القول إن التفاعل بين الفردي والجماعي هو المحدد الأساس لهذه الهوية؟

 مطلب التحليل: 5

 في التحليل يجب استخراج الأطروحة الرئيسية التي تنتظم حولها أفكار ومفاهيم النص والعلاقات القائمة بينها، ثم استخراج الحجج والبراهين التي يدافع بها النص عن هذه الأطروحة.يمكن وضع خلاصة جزئية في نهاية التحليل وسؤال للانتقال نحو مطلب المناقشة. 

 نموذج مقترح لكتابة التحليل:

         يؤكد صاحب النص أن الهوية الشخصية للفرد تتكون من مستووين أساسيين، مستوى داخلي، هو الذي يتشكل من الحياة الذهنية للفرد، يسمى هذا الجانب بالكائن الفردي، وجانب آخر يتكون من الأفكار والأحاسيس والعادات التي نتلقاها من المجتمع وهي مجموع المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية ويسمى هذا الجانب بالكائن الاجتماعي، وتتكون هذه الهوية المزدوجة من خلال عملية التربية والتنشئة الاجتماعية.

       بالعودة لأفكار النص نجد أن صاحبه ينطلق في الفقرة الأولى التي تتحدد بين "بداية النص إلى " الكائن الفردي." ويؤكد فيها أن التنشئة الاجتماعية تحددها التربية، مؤكدا أن داخل كل فرد منا هوية فردية داخلية تتكون من مكونين أساسيين: الأول يسميه بالمكون الفردي، ويتشكل من خلال الحالات الذهنية المكونة للحياة الشخصية للفرد، وتسمى ب" الكائن الفردي."

بعد ذلك ينطلق في الفقرة الثانية التي تتحدد بين قوله:" والآخر هو عبارة عن نسق..."، إلى نهاية النص. ويؤكد فيه على الجانب الآخر الذي يكون الهوية الشخصية، وهو الجماعة التي ينتمي إليها الفرد والتي تعمل على تلقينه -عبر التنشئة الاجتماعية والتربية- مختلف المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية. ويسمى هذا الجانب في الهوية بالكائن الاجتماعي. إذن الهوية حسب صاحب النص مزدوجة، لديها جانب داخلي نفسي وجانب خارجي اجتماعي.

إن التفكير الفلسفي هو بناء للمفاهيم الفلسفية بامتياز، لذلك فهذا النص يتضمن مجموعة المفاهيم ذات الصلة بمجال علم الاجتماع تحديدا، أول هذه المفاهيم، نجد مفهوم الهوية الذي لم يذكره إلا بشكل ضمني من خلال عدة مؤشرات لفظية ك" الداخل و الذات.."، ويقصد بها حسب النص:" ذلك الكائن المزدوج الأوجه الذي يوجد داخل كل واحد منا ويشكل الأساس وجوهر شخصيتنا، والذي لا يمكن حسب النص فصلهما، وهذين الجانبين، هو الجانب النفسي الداخلي، والجانب الاجتماعي الذي نتلقاه عبر التنشئة الاجتماعية."

نجد كذلك مفهوم التنشئة الاجتماعية: ويعرفه النص "كعملية يتم من خلال نقل مختلف العادات والتقاليد والعقائد إلى الفرد من خلال الجماعة التي ينتمي إليها عبر التربية." نجد كذلك مفهوم الجماعة: ويقصد بها "مجموع الأفراد المكونين للمجتمع، والذين تربط بينهم روابط اجتماعية مشتركة." ثم كذلك مفهوم الكائن الفردي، ويعرفه النص، بأنه: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة." وأخيرا مفهوم الكائن الاجتماعي: وهو: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، التي تعبر عن الجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، وتتشكل من مختلف المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها."

إن العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم هي علاقة ترابط وانسجام لأن الهوية الشخصية تتحدد وفق بعد داخلي فردي مرتبط بالحالات الذهنية للفرد، وبعد آخر تكونه الجماعة التي ينتمي إليها الشخص، عبر التربية والتنشئة الاجتماعية.

 إن العلاقة هذه المفاهيم هي ما يؤسس لأطروحة النص المرتبطة التي تؤكد على البعد المزدوج للهوية.

إذن كيف يقدم النص أطروحته وكيف يدافع عنها:

لأجل تلك الغاية استعان النص بمجموعة من الأساليب الحجاجية: إذ ينطلق من حجة العرض، إذ يعرض أطروحته في بداية النص ويؤكد عليها، من خلال قوله: " تكمن التربية.."، ثم ينفي بعدها البعد الواحد للهوية لأن ذلك في نظره غير ممكن إلا في المستوى التجريدي، حينما يقول: " لا يمكن الفصل بينهما إلا...". ثم ينطلق لشرح وتفسير هذين البعدين: من خلال قوله: " أحدهما....." وقوله كذلك: " الأخر...". موظفا في الآن ذاته حجة التعريف حينما يعرف هذه الأبعاد من خلال قوله مثلا: " الآخر هو نسق من الأفكار...". كما يستعين بمجموعة من الأمثلة: " المعتقدات، الممارسات الأخلاقية، العادات الوطنية." وفي الأخير يستعين بحجة الاستنتاج لأنه استنتج أن ما يكون الهوية هو التربية من خلال قوله: " ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون التربية". ويمكن كذلك القول بأنه استعان بحجة القياس المنطقي، لأنه انقل من مقدمة واضحة بذاتها، مستعينا بمختلف الاستدلالات المنطقية للوصول للنتيجة النهائية.

يتبين لنا إذن أن صاحب النص، قد دافع عن أطروحته القائلة بدور التنشئة الاجتماعية في تكوين الهوية الشخصية، التي يربطها بالبعد الذاتي والبعد الاجتماعي.

مطلب المناقشة:

يُنتظر من التلميذ في هذه المرحلة أن يؤكد على أهمية الأطروحة الفلسفية من الناحية الداخلية للنص والناحية التاريخية. ويبين حدود الأطروحة من خلال ربطها وفتح النقاش بينها وبين تصورات فلسفية معارضة أو مؤيدة.

  نموذج مقترح لكتابة المناقشة:

     يتبين لنا بعد عملية التحليل أن النص متماسك من الناحية المنطقية، وقد وظف صاحبة عدة مفاهيمية ومقاربة اجتماعية، لأن دوركهايم من بين المؤسسين للاتجاه الوضعي في علم الاجتماع، وبالتالي فهو يعطي الأهمية للعوامل الاجتماعية في تكوين الهوية. لكن ألا يمكن القول بأن الأساس المزدوج للهوية هو النظر إلى الذات الإنسانية بشكل انفصامي أليس هناك جوهرا واحدا هو المؤسس لهذه الهوية؟

للإجابة عن هذا التساؤل نستحضر التصورات التي نادت بالبعد الواحد للهوية، مثل المقاربة الفلسفية التي خلال القرن 17 التي دعا إليها الفيلسوف ديكارت، الذي يؤكد أن ما يؤسس الهوية هو الفكر، باعتباره نورا فطريا يحافظ على وحدة الذات وثباتها ووجودها، رغم تغير حالاتها الفكرية والنفسية. وهو ما تعبر عنه قولة ديكارت: " أنا أفكر إذن أنا موجود." والتصور الماهوي الآخر الذي جاء كرد فعل على الاتجاه العقلاني ونقصد به الاتجاه التجريبي الذي يعتبر جون لوك أهم رموزه. والذي يربط الهوية بالجانب الشعوري، لأنه لا يمكن تصور فكرا لا يمرر عبر الحس، لأنه لا وجود لأي فكر خالص وفطري كما يدعي ديكارت، مادام الشخص يولد وعقله صفحة بيضاء نملأها بالتجربة. يقول جون لوك في كتابه مقالة في الفهم البشري: " لا يمكن أن ندرك إدراكا فكريا دون أن نشعر أننا ندرك إدراكا فكريا."

وفي اتجاه آخر نستحضر المقاربة النفسية لسيجموند فرويد الذي يقترب قليلا من أطروحة النص، لأن يركز على الجانب اللاشعوري في الفرد، من خلال تقسيمه الشهير للجهاز النفسي، إلى جانب واقعي هو " الأنا"، وجانب أخلاقي هو " الأنا الأعلى"، وجانب غريزي "هو " الهو". وفي نظره الصراع بين هذه المكونات هو ما يحدد الهوية الفردية.

يتبين لنا إذن أن المقاربات التي قاربت إشكال الهوية متعددة ومختلفة بين مقاربة اجتماعية ومقاربة فلسفية ومقاربة نفسية.

مطلب التركيب:

يُنتظر في هذه اللحظة أن يستنتج التلميذ نتائج وخلاصات حول ماتم تحليله ومناقشته. والإشارة إلى أهمية الإشكالية، وأخيرا مع الإدلاء برأيه الشخصي حول الموضوع والتأكيد على الطابع النسبي للفكر الفلسفي

       من خلال تحليلنا لهذا النص يتبين لنا أن إشكالية الهوية الشخصية قد شكل محل تضارب للمواقف بين الفلاسفة والعلماء. نظرا لتعقد الموضوع وتعدد أوجهه. لذلك فقد رأينا أن النص يؤكد على دور التنشئة الاجتماعية في تأسيس الهوية وفق مقاربة سوسيولوجية. أما المقاربة الفلسفية الماهوية فقد بحثت عن الجوهر فالعقل عند العقلانيين هو أساس الهوية، أما التجريبيين فيربطونه بالتجربة الحسية، أما المقاربة النفسية فقد ركزت على دور العوامل النفسية اللاشعورية في تأسيس هذه الهوية. وفي ظل تضارب هذه المواقف فإن ذلك ليس إلا دليلا على تعقد الموضوع وعمقه، وهذا لا ينقص من قيمة الفكر الفلسفي في شيء بل يدل على أن لكل موقف ما يبرره من الناحية النظرية والتاريخية. وإذن نقر بهذه الأهمية فإننا نؤكد أن الهوية الإنسانية لا يمكن حصرها في بعد واحد فقط، مادام الإنسان كائنا متعدد الأبعاد، لذلك فالهوية هي كذلك متعددة الأبعاد بين ما هو إجتماعي ونفسي وشعوري. وفي الأخير وتأكيدا للطابع المنفتح للفلسفة نتساءل: إن اختلف الفلاسفة حول الشخص فهل يتفقون حول قيمته؟


 الجوانب الشكلية:

يتم التركيز فيها على 3 شروط أساسية:

سلامة اللغة والخط 1ن

التماسك المنطقي للإنشاء1ن

نظافة الورقة وتنظيمها 1ن





الجمعة، 17 ديسمبر 2021

تصحيح فرض محروس في الفلسفة رقم 1 الدورة الأولى ( الهوية الشخصية)

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا

إنجاز: التلميذة مريم / علوم فيزيائية (بتصرف)




النص:

"إن المعيار الغالب للحكم على الشخص هو هو، كما يرى الحس العام، هو استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وهو المعيار نفسه الذي نستخدمه للحكم على أن الدراجات الهوائية أو غيرها هي نفسها دون سواها. أما إذا تحدثنا بخلاف ذلك، فإن حديثنا سيكون على سبيل الاستعارة (كأن أقول مثلا أنا إنسان جديد)، فلو صَحً هذا القول لما كان بوسعي التفوه به. وحقيقة أننا نشعر أن هويتنا الجسدية عبر الزمن أمر معقد وأنها تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. يجب ألا يُثير دهشتنا على الإطلاق كون الذاكرة نفسها تتصل بالضرورة بأدمغتنا وبأجسادنا. وإذا كانت ذكرى الماضي قد سببها ما حدث لنا، أي ما حدث لأجسادنا وأدمغتنا، فمن غير المدهش أن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن يجب في بعض الأحيان على الأقل، أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار المتاب الجديد المتحدة، ليبيا،2007.  ص 108- 109(بتصرف)

 

حلل (ي) النص وناقشه (يه).

 أولا- مطلب الفهم:      

       منذ ظهور الفلسفة، اعتبر الكائن البشري أحد أهم المواضيع  التي أثارت اهتمامها، وأحاطت به من مختلف الأبعاد سياسية، اجتماعية، أخلاقية...، ويمكن النظر إلى هذا النص الماثل أمام ناظرينا في إطار فلسفي عام من خلال المفاهيم المتضمنة فيه ( الشخص، الحس، الإنسان، الهوية، الذاكرة...) وهو إطار " مجزوءة الوضع البشري"، ويقصد به الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان في الوجود، ويندرج النص تحديدا ضمن مفهوم الشخص ويقصد به الذات الواعية والمفكرة القادرة على التمييز بين الخير والشر والصدق والكذب، والقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها . وقد حظي هذا المفهوم باهتمام الكثير من المفكرين والفلاسفة وبالتمعن في النص، نجده يسلط الضوء على: إشكالية الهوية الشخصية، وتعني بقاء الشخص ذاتا واحدة رغم التطورات التي تطرأ عليها في مختلف أوضاع وجودها. كما يتجاذب هذا المفهوم مجموعة من المفارقات يمكن بسطها كالتالي: الثبات/ التغير، العقل/ الحس... وقد أسفر تدارس هذه القضية عن وجهات نظر اختلفت وتباينت باختلاف المذاهب والاتجاهات التي ينتمي إليها كل مفكر على حدة، وأمام الاختلاف بين هذه المقاربات يتجلى لنا الطابع المعقد لطابع الهوية مما يجعلنا نطرح العديد من الإشكاليات من قبيل: على أي مستوى تتحدد الهوية الشخصية؟ ويمكن طرح تساؤلات فرعية كالتالي: ما دور الجسد والذاكرة في تشكيل الهوية الشخصية؟ وهل تتحدد في الفكر، أم الحس، أم اللاشعور؟

ثانيا- مطلب التحليل:

    جوابا على الإشكال المطروح أعلاه، تقدم ميري ورنوك صاحبة النص أطروحة فلسفية مفادها أن الهوية تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. حيث انطلقت ميري في النص أولا من فكرة تنفي فيها التصور الحسي الذي يحكم على الشخص من خلال استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وانتقدت هذا التصور باعتباره يشبه الإنسان بأي شيء مادي آخر كالدراجات الهوائية، ثم تطرقت بعدها إلى دور الذاكرة في تحديد الهوية من خلال الأحداث التي عشناها في الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن النص يرتكز على جملة من المفاهيم الفلسفية يمكن إيرادها كالتالي:

الشخص: ذات واعية قادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ ولها هوية، وتتشكل هويتها من خلال الذاكرة.

الإنسان: كائن عاقل، يتميز بامتلاكه لجسد وذاكرة هي ما يحفظ هويته. كما نجد مفهوم الهوية ويقصد به حسب النص: بقاء الشخص هو هو، رغم تعدد صفاته. كما نجد مفهوم الذاكرة: ملكة تتصل بالضرورة بأدمغتنا وأجسادنا، وهي قادرة على استحضار أحداث الماضي.

وانطلاقا مما سبق يتضح أن العلاقة التي تربط بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وانسجام، حيث إن هوية الإنسان عبر الزمان تتحدد في الذاكرة التي تعزز معرفتنا الداخلية بماضينا. لقد وظفت صاحبة النص بنية مفاهيمية أساسية من أجل الدفاع عن أطروحة النص نذكر منها:

التأكيد: تؤكد على استمرارية الأجساد عبر الزمان، يتأكد من خلال معيار الذاكرة وذلك بقولها:" إن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن ... أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

المثال: من خلال ذكر الأمثلة من خلال قولها مثلا:" كأن أقول مثلا ن إنسان جديد." " الدراجات الهوائية".

الشرط: حيث أبرزت أن ذكرى الماضي تؤكد استمرارية الأجساد عبر الزمن من خلال قولها: " وإذا كانت ذكرى الماضي...فمن غير المدهش."

ثالثا- مطلب المناقشة:

      إن ما يضفي على أطروحة صاحبة النص قيمة فلسفية هو تأكيدها على أن الهوية الشخصية عبر الزمن، أساسها هو الذاكرة، ويعتبر هذا التصور تجاوزا لفلسفات الأنا التي تؤسس الهوية الشخصية بشكل منغلق. كما يعتبر النص قريبا من التصورات العلمية التي تفسر الوعي والهوية وما يرتبط بهما بالعمليات العصبية والدماغية وتنفي عنها كل أساس ميتافزيقي.

وعكس ما ذهب إليه النص نستحضر تصور الفيلسوف رونيه ديكارت (1596-1650م) الذي يؤسس الأنا على التفكير العقلاني باعتباره " شيئا مفكرا"، أي أن ما يجعل الشخص مطابقا لنفسه هو مطابقته لنفسه باستمرار رغم تغير حالاته لعقلية، لأن الإنسان هو كائن مفكر وعاقل.

ومن جهة أخرى نجد تصور الفيلسوف جون لوك ( 1632- 1704م)  الذي يؤكد على أن الهوية الشخصية تتحدد من خلال التجربة الحسية، إذ أن عقل الإنسان يولد وهو صفحة بيضاء خالية من كل معرفة ومن خلال التجارب الحسية التي يمر بها الإنسان في العالم، يكتسب هويته الشخصية أي أن الحواس هي التي تمد العقل بالمعارف والأفكار.

ومقابل التصورات الفلسفية الكلاسيكية المتضاربة بين العقلانيين والتجريبيين، فقد وجه عالم الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد ( 1856-1939م)ضربة لنظرية الهوية الشفافة و الخالصة التي تصورها الفلاسفة الذين ذكرناهم سابقا، واقترح مقابل ذلك مفهوم اللاوعي، الذي يفترض هوية دينامية قائمة على الصراع بين مكونات اللاشعور سواء في النظرية الموضعية الأولى لفرويد (الوعي، ماقبل الوعي واللاوعي)، أو في نظريته الموضعية الثانية (الأنا و الأنا الأعلى والهو).

رابعا- مطلب التركيب:

        نخلص من خلال ما سبق أن إشكالية الهوية الشخصية، قد أفرزت مجموعة من المواقف والتصورات بين من اعتبر أن الهوية الشخصية تتحدد في الذاكرة ( ميري ورنوك)، وبين من ربطها بالفكر العقلاني كما ذهب إلى ذلك التصور العقلاني لديكارت، أما التصور النفسي لفرويد فيربطها باللاشعور. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فالفكر الفلسفي بطبعه فكر متعدد ومتضارب لكن هذا التضارب الحاصل بين هذه المواقف يؤكد الطابع النسبي للفكر والحقيقة على حد سواء، إذن فكل هذه المواقف لا تعبر إلا عن تطور التفكير في المسألة عبر تاريخ الفلسفة، لأن كل موقف رهين بسياقه الفلسفي والتاريخي الخاص، وفي الأخير نتساءل: كيف تتحدد قيمة الشخص؟


الثلاثاء، 23 فبراير 2021

المحور الأول: أساس المجتمع

 


  الفئة المستهدفة: 1 باك " جميع الشعب"

المادة: الفلسفة

المجزوءة: الإنسان



إشكالية المحور: ما أساس المجتمع ؟ هل هو أساس طبيعي فطري؟ أم أساس ثقافي مكتسب ؟

التصور الطبيعي للمجتمع: أساس الاجتماع الإنساني فطري وطبيعي في الإنسان

أطروحة أرسطو:

بخصوص الأساس الطبيعي لنشأة المجتمع دافع أرسطو عن الأطروحة القائلة بأن الإنسان مدني بطبعه ، أي أن للإنسان قابلية فطرية للاجتماع، فالمجتمع من حيث هو تجمع للناس ضمن جماعة سياسية منظمة بقوانين إنما يندرج ضمن منطق طبيعي حيث يحصل التنامي انطلاقا من الخلية الأسرية من حيث هي اتحاد جنسين مختلفين من أجل الحفاظ على النوع البشري فالقرية باعتبارها اتحادا للعديد من الأسر أو البيوت وأخيرا المدينة بكونها تجمعا للقرى حول مركز إداري مشترك، فإن سيرورة التمركز تتم في شكل نمو عضوي ( طبيعي ) مما يجعل المجتمع شيئا طبيعيا. والواقع أن غاية هذه التجمعات وتحصيل سعادة العيش ضمن الجماعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. إن القول بأن الإنسان حيوان اجتماعي، إنما يبرز أن كمال الإنسان لا يتحصل سوى ضمن الجماعة وبذلك يستجيب المجتمع لحاجة أولية، وميل أساسي لدى الإنسان، فيظهر أن اجتماعية الإنسان هي من الأساس استعداد طبيعي. في السياق ذاته يؤكد ابن خلدون أن الاجتماع البشري أو العمران هو أمر ضروري، من حيث إن الإنسان يكون في حاجة إلى التعاون مع أبناء جنسه من أجل تحصيل الغذاء والدفاع عن النفس، بيد أنه يعتبر ضرورة الاجتماع تجسيدا لإرادة إلهية في إعمار الأرض واستخلاف الإنسان فيها وهذا ما يمكن اعتباره أساسا لاهوتيا اجتماعيا، لكن إذا كان المجتمع ذا أساس طبيعي، فكيف نفسر تلك التوترات والصراعات الناجمة عن تجمع الناس، ألا يبدو ذلك متناقضا؟ ومن تم ألا يبرز ذلك إن كان وجود أساس آخر للاجتماع البشري؟

أطروحة ابن خلدون:

يذهب ابن خلدون إلى أن أساس الاجتماع البشري ضروري وطبيعي، ويكون بالفطرة والطبيعة وليس بالاتفاق والتعاقد والتواضع؛ لأن الإنسان مدني بطبعه. ويحتاج إلى الآخرين من أجل تحقيق حاجياته الأساسية في العيش، والدفاع عن نفسه من كل ما يهدد وجوده.

- المظاهر التي تفسر ضرورة الاجتماع عند ابن خلدون :

أ‌- المظهر الاقتصادي: توفير متطلبات الحياة وتحصيل القوت.

ب‌- المظهر الدفاعي: الدفاع عن النفس لا يتم إلا بتضافر جهود أفراد المجتمع وتعاونهم.

من هنا ضرورة العيش داخل مجتمع تربط بين أفراده علاقات تآزر وتعاون

أطروحة جون جاك روسو:

تحلیل نص جون جاك روسو: المجتمع تعاقد

إشكال النص: ما هو أساس المجتمع؟ هل أساسه اتفاقي تعاقدي أم ضروري طبیعي ؟

أطروحة النص:

أساس المجتمع تعاقدي، إنه اتفاق بین الأفراد حول وضع قوانین تعبر عن ارادتهم الحرة في التعایش من خلال العقد الإجتماعي، الذي هو نظام یدبر من خلاله الأفراد شؤونهم العامة من طرف مؤسسات منتخبة.

مفاهیم النص:

  • حالة الطبیعة: هي حالة مفترضة تتمیز بغیاب القوانین والمؤسسات والروابط الاجتماعية بین الأفراد.
  • الحالة المدنیة: هي الحالة التي أصبح الإنسان یعیش فیها مع بقیة الأفراد وفقا لقوانین ومبادئ منظمة تتجسد في العقد الإجتماعي.
  • العقد الإجتماعي: هو نظریة تقول بأن النظام الإجتماعي یقوم على اتفاق إرادي بین مختلف الأفراد المكونین له حول قوانین ومبادىء ینظمون بها شؤونهم العامة.
  • الحریة الطبیعیة: هي الحق الذي یملكه الفرد في أن یفعل كل ما یراه نافعا له ویضمن بقاءه واستمراریته.
  • الحریة المدنیة: هي التصرف وفقا لمبادئ العقد الإجتماعي الذي یعبر عن الحریة العامة للأفراد.

حالة الطبیعة   ( الغابة)

حالة المدنیة ( المجتمع)

الوهم الفطري (الغریزة)

فقدان الأدب (الأخلاق)

المحرك الجسماني

الشهوة

الفردانیة

المیول الفطري

البلادة + محدودیة الفهم

شراسة الطبع و خشونة العواطف

الحریة الطبیعیة (الحق الطبیعي)

العدل (القوانین)

امتلاك الأدب (الأخلاق)

صوت الواجب

الحق

مصلحة الجماعة

المبادئ العقلیة

الذكاء + نمو القدرات العقلیة + اتساع الأفق الفكري

سمو النفس ونبل العواطف

الحریة المدنیة (العقد الإجتماعي)

 

هكذا یتبین مع روسو أن تأسیس المجتمع جاء نتیجة اتفاق بین الأفراد وتعاقدهم على قوانین وقواعد منظمة لحیاتهم الإجتماعیة، وقادرة على تحقیق الأمن والإستقرار الذّي افتقده الإنسان حینما خرج من حالة الطبیعة كحالة خیر وسلام وحریة إلى حالة أخرى تمیزت بالفوضى والصراع والشر. ولكن مع ذلك یسجل روسو مجموعة من المزایا التي اكتسبها الإنسان في حال المدنیة وكانت تعوزه من قبل، مثل اكتسابه لمعارف متنوعة، و تشریعه لقوانین أخلاقیة وسیاسیة منظمة، وحلول العقل في حیاته محل الشهوة والمیولات الغریزیة.

 تركيب:

مهما كان هناك تعارض بين الأساس الطبيعي والثقافي للاجتماع البشري فإن من شأن هذين الأساسين أن يتكامل على اعتبار أن الإنسان محكوما بالاستعداد أو قابلية فطرية للاجتماع لكن ذلك قد لا يكون كافيا لتحقيق مجتمع منسجم مما يفرض التعاقد حول قواعد وقوانين تحصن المجتمع وتضمن أمنا وسلامة وأفراده لكن كيف تتقوم العلاقة بين الفرد والمجتمع؟


تحميل الدرس على شكل PDF

المحور الثاني: الفرد والمجتمع

الفئة المستهدفة: أولى باك " جميع الشعب"

المادة: الفلسفة

المجزوءة: الإنسان 



إشكالية المحور: ما علاقة الفرد بالمجتمع؟ هل هي علاقة اتصال وترابط؟ أم علاقة انفصال وتضاد؟

أطروحة أنتوني غدنز: المجتمع سابق على الفرد

يميز عالم الاجتماع البريطاني، أنتوني غيدنز بين الإنسان والحيوان، فيما يتعلق بالتعلم. فالحيوان باعتباره أقل تقدما في سلم التطور، لا يحتاج إلى التعلم للاندماج في لمجموعة، بل منذ ولادته يكون مبرمجا بشكل مسبق على حماية نفسه من باقي الحيوانات الأخرى. على عكس الإنسان الذي يتعلم مختلف القيم الاجتماعية والمعايير والمعتقدات المكونة لثقافة المجتمع عن طريق عملية " التنشئة الاجتماعية La socialisation. ويميز غدنز بين تنشئة اجتماعية أولية تتم في مرحلة الرضاعة والطفولة، حيث يتعلم خلال هذه المرحلة اللغة وأنماط السلوك الأساسية عبر تفاعله مع أفراد العائلة. ثم تنشئة اجتماعية ثانوية، تكون في مرحلة البلوغ وتتم عبر التفاعل مع الأقران وفي المدرسة وعبر وسائل الإعلام والاتصال...

أطروحة عالم الاجتماع الفرنس إميل دوركهاييم (1858_1917)

ينطلق إميل دوركهايم من منظور اجتماعي لتحليل علاقة الفرد بالمجتمع. لذلك فهو يعطي الأولوية للقوانين الاجتماعية على الفرد، لكن رغم ذلك يميز بين نمطين من المجتمعات:

مجتمعات تقليدية: حيث يسود تضامن ألي (ميكانيكي) بين الأفراد، وفي هذا النمط تنصهر فردية الشخص لصالح الجماعة ولا يمكن للفرد أن يتصرف إلا وفقا لما يمليه المجتمع.

مجتمعات حديثة: حيث يتم تقسيم العمل الاجتماعي، ويتأسس بذلك مجتمع قائم على الاختلاف بين الأفراد، وتكون للفرد الحرية في التعبير عن فرديته وحريته، وتكون له بالتالي شخصية متميزة ومجال خاص، ويبرز الوعي الفردي مقابل الوعي الجمعي، وكلما اتسع التضامن القائم على تقسيم العمل، تقوت روابط الفرد بالمجتمع، وكلما تقلص هذا التضامن قد هذا الارتباط، يقول دوركهايم: "ينبغي، إذن، للوعي الجمعي ألا يغطي كل ساحة الوعي الجمعي، حتى يتمكن هذا الأخير من القيام بالمهام التي لا يمكن التضامن الآلي أن يضمنها."

 أطروحة الفيلسوف الفرنسي ألكسيس دوطوكفيل: 1805_1859م

يميزدوطوكفيل في كتابه الشهير " الديموقراطية في أمريكا"، وهو وصف للمجتمع الأمريكي خلال بداية القرن 19، والقيم التي تأسست عليها الديموقراطية في أمريكا. فوجد أن المجتمع الديموقراطي يتأسس على الفردانية ويقصد بها:" شعور متأصل وهادئ، يتيح لكل مواطن الانعزال عن كتلة الأشباه، والابتعاد جانبا عن عائلته وأصدقائه، بحيث يخلق مجتمعا صغيرا لإستعماله الخاص" ولايجب الخلط بين الفردانية والأنانية التي يقصد بها الحب الجارف والمفرط للذات وعدم التفكير في الآخرين وهي خاصية تميزت بها المجتمعات القديمة، أما المجتمعات الديموقراطية الحديثة فهي قائمة على الفردانية. لذلك ينتصر دوطوكفيل للفرد مقابل المجتمع، لأن المجتمع الديموقراطي لا يتأسس إلا على الأفراد الأحرار  يقول :" الديموقراطية لا تعمل فقط على جعل الإنسان ينسى أجداده، بل أيضا تخفي عنه سلالته."

نوربرت إلياس: العلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة جدلية، علاقة تأثير وتأثر.

في كتابه مجتمع الأفراد، يؤكد نوربرت إلياس على أن علاقة الفرد بالمجتمع علاقة جدلية، علاقة تأثير وتأثر، ليبقى السؤال المطروح هو: ما الذي اعتمده نوربرت إلياس ليؤكد ويثبت موقفه هذا؟

انطلق نوربرت إلياس من الحوارات التي دارت بين مجموعة من المفكرين حول علاقة الفرد بالمجتمع، ليخلص إلا أن هناك موقفين متناقضين متقابلين، الأول يؤكد أن “كل شيء يرجع إلى المجتمع”، وأن الأفراد المنعزلين هم من يؤثرون في المجتمع، وأنه حتى إذا افترضنا أن فعل الفرد مشروط اجتماعيا، فما ذلك إلا بسبب تأثرهم بأفراد آخرين، ومعنى كل ذلك هو أن الفرد أساس المجتمع وأنه هو الذي يؤثر فيه. أما الموقف الثاني، فيذهب إلى عكس ما ذهب إليه الموقف الأول، حيث يرى أن “كل شيء يرجع للمجتمع”، وأن جميع قرارات الأفراد مشروطة بشروط اجتماعية، وكذلك بالنسبة لإرادة الأفراد، ومضمون هذا القول إن الأفراد يظلون خاضعين للمجتمع واشتراطاته.

أما نوربرت إلياس فلا يتبنى لا الموقف الأول ولا الموقف الثاني، كما أنه يعتبر هذا الحوار حوارا متجاوزا، وأنه فقد جاذبيته. لماذا؟ لأن الطريقة التي يتبعها الفرد في اتخاذ قراراته ويسلك وفقها، حسب نوربرت إلياس، هي طريقة محددة وفق علاقات ذلك الفرد بالغير، والتي تتدخل فيها سيرورات اجتماعية والتي تروض طبيعته. لكن نوربرت إلياس لا يرى أن الفرد يبقى خاضعا فقط، كما أنه لا يرى أنه يبقى مجرد موضوع سلبي خاضع لتأثيرات المجتمع وإشراطاته، بل يؤكد أن الفرد هو الآخر يؤثر في المجتمع ويطبعه بطابعه الشخصي. وهكذا تكون علاقة الفرد بالمجتمع وكما عبر عن ذلك نوربرت إلياس كالعملة النقدية، حيث يكون الفرد هو العملة المطبوعة، وفي الوقت نفسه هو الآلة الطابعة، رغم اختلاف نسبة تأثير أحدهما في الآخر.  المجتمع إذن “هو ما يتضمن في قول كل واحد عندما يصرح نحن”، ومضمون القول الأخير أننا حين نقول “نحن” فحديثنا عنا كأفراد، لكن ليس كأفراد معزولين وإنما كمجتمع.

تركيب:

خاتمة القول أن علاقة الفرد بالمجتمع لعلاقة ملتبسة، علاقة غير واضحة المعالم، ولعل الذي يجعلها كذلك هو هذه العلاقة الجدلية التي تؤس لعلاقة الفرد بالمجتمع. فالفرد من جهة يستطيع التأثير في المجتمع، عبر إرادته وقراراته واختياراته، لكنه من جهة ثانية يخضع لتأثير المجتمع، لمؤسساته وأنظمته، لإشراطاته وإكراهاته. وهكذا يمكن القول، أن علاقة الفرد بالمجتمع ليس بالعلاقة الأحادية الجانب، بل هي علاقة ذات وجهين، أو لنقل ذات بعدين، بعد فردي ذاتي، يكون فيه الفرد هو سيد ذاته، عبر وعيه وإرادته واختياراته، وبعد اجتماعي، يكون فيه الفرد خاضعا للمجتمع ولإملاءاته ولسلطته، لنجد أنفسنا أمام إشكال فلسفي آخر، يمكن أن نعبر عنه استفهاميا كالآتي: بأي معنى يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟ وما حدود تلك السلطة؟

 


  

عن الشامل و كلوب فيلو بتصرف 

 

المحور الثالث: سلطة المجتمع تحليل منهجي لنص دوطوكفيل

 

الفئة المستهدفة: أولى بكالوريا جميع الشعب



إشكالية المحور: كيف يمارس المجتمع سلطته ؟ هل بالقهر والاستباد؟ أم بالاختيار  والحرية؟

تحليل منهجي لنص ألكسيس دوطوكفيل:

أولا: مطلب الفهم

تمهيد: تأطير النص ضمن المجزوءة، والمفهوم والمحور

طرح الإشكالية:

       انطلاقا من المفاهيم المتضمنة في هذا النص الفلسفي قيد الاشتغال (المجتمعات الحديثة، الجماعة، المواطن...) يتضح لنا أنه يتموضع داخل مجال مجزوءة الإنسان، والذي يقصد به الكائن العاقل والقادر على التمييز بين الخير والشر، وهو كائن متعدد الأبعاد (وعي، رغبة، مجتمع...) وهو من القضايا الكبرى في تاريخ الفلسفة منذ ظهورها في اليونان، فهو حيوان سياسي عند أرسطو، ومقياس كل شيء عند السفسطائيين، وكائن مفكر عند ديكارت وحيوان ميتافزيقي عند شوبنهور ...الخ. ويتأطر النص تحديدا ضمن مفهوم المجتمع: وهو " تجمع للناس في إطار علاقات متبادلة وقيم ومعايير اجتماعية، تنظمهم مؤسسات ويتقاسمون هوية ثقافية مشتركة ويتبادلون مصالح مشتركة."، وبالتمعن في النص الماثل أمامنا نجده يسلط الضوء على إشكالية سلطة المجتمع وبذلك فهو يفضي الى مفارقة واضحة تتمثل في أن الإنسان يعيش داخل المجتمع لتلبية حاجاته والحصول على حريته، لكن بالمقابل نجد المجتمع يفرض سلطته على الفرد وأحيانا تتحول هذه السلطة إلى قهر واستبداد. إذن استنادا إلى هذه المفارقة الفلسفية يمكننا طرح مجموعة من الاشكالات من قبيل: كيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟ هل يمارسها بالقهر والاستبداد؟ أم يمارسها بالحرية والاختيار؟        

ثانيا : مطلب التحليل

أطروحة النص

أفكار النص

مفاهيم النص

حجاج النص

          يؤكد صاحب النص على أطروحة فلسفية مفادها أن المجتمع يمارس سلطته على الأفراد بطريقة جبارة وقهرية ومطلقة، ويحول المواطنين إلى كائنات معزولة بدون إحساس بالغير، كائنات لا تعيش قضاياها ومصيرها المشترك. وفي ذلك.

وينطلق النص في فقرته الأولى من التأكيد على أنه لا يستطيع حتى تعريف الاستبداد الجديد الذي تعاني منه المجتمعات الحديثة، لأن هذا الضيق يتجاوز الاستبداد والاضطهاد الذي كان سائدا في الماضي بأضعاف.

وفي الفقرة الثانية يؤكد على أن المجتمعات الحديثة حولت الأفراد إل مجرد حشود هائلة، لا تفكر إلا في تحقيق حاجاتها الأنانية في إطاره مجاله الخاص وهو العائلة، وبالتالي تفكك الروابط بين الأفراد لصالح المجتمع الذي حولهم إلى كائنات منعزلة وأنانية.

ويختم دوطوكفيل نصه بوجود سلطة هائلة وجبارة ومطلقة هي التي تسير الأفراد، ويقصد بها سلطة الدولة والمجتمع على حد سواء، تشبه السلطة الأبوية، وظيفتها جعل الأفراد في حالة "قصور" أي أن لا يفكروا إلا في متعتهم الخاصة، لكن هذه السلطة عاجزة رغم كل ذلك عن إزالة قلق التفكير وشقاء العيش عن هؤلاء الأفراد.

يوظف صاحب النص مجموعة من المفاهيم الفلسفية من أجل بناء نصه، وهمها:

مفهوم المجتمع الحديث: لا يتوفر صاحب النص على تعريف دقيق له، لكنه يصفه بأنه عبارة عن حشود هائلة من البشر منغمسة في لذاتها الخاصة ولا تربط بينها أي رابطة، وتقوم عليها سلطة جبارة تضمن إبعاد الفرد عن الاهتمام بوضعه الوجودي لصالح الانغماس الكلي في الاستمتاع والمصلحة الأنانية.

السلطة: هي قوة جبارة ومطلقة ولينة هدفها ضمان أمن المجتمع، وتثبيت الأفراد في حالة قصور وعدم تفكير.

الاستبداد: هو المبالغة في القسوة واستعمال القوة والعنف ماديا كان أو رمزيا من أجل إخضاع الأفراد.

العلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل لأن المجتمع الحديث يمارس سلطته بشكل استبدادي على الأفراد ويصرفهم في التفكير عن قضاياهم الحقيقة ويركزون على مصالحهم الخاصة مفصولين عن باق الأفراد.

إن التفكير الفلسفي هو تفكير استدلالي وحجاجي بالأساس لذلك فالنص الماثل أمامنا يوظف مجموعة من الحجج للدفاع عن دعواه أهمها:

حجة التفسير: وتتجلى هذه الحجة في تفسير النص لآليات سلطة المجتمع على الأفراد، من خلال قوله "كل واحد منهم ...أما..... وإن كان لا يزال..."

حجة الإثبات والتأكيد: من خلال تأكيد النص على سلطة المجتمع الحديث على الأفراد من خلال قول صاحب النص: " أعتقد أن نوع الضيق..." وقوله:" أريد أن أتخيل...".

حجة النفي: من خلال نفي النص لإحساس لمجتمع بالفرد من خلال قوله: " لا يراهم...لا يحس بهم...لا يوجد إلا لذاته."

ثالثا: مطلب المناقشة

مناقشة داخلية: قيمة النص

مناقشة خارجية: مواقف مؤيدة أو معارضة

        نستنتج من خلال ما سبق أن المجتمع الحديث يمارس سلطة هائلة على الأفراد ولا يترك لهم الفرصة لبروز فرديتهم، وبالتالي فالنص استطاع أن يدافع عن هذه الفكرة بشكل قوي من الناحية البنائية والحجاجية والاستدلالية في النص. أما من الناحية الفلسفية، فالنص نموذج للتصور الليبرالي للمجتمع خلال القرن 19م وهي المرحلة التي تخلصت فيها الدول الغربية من الاستبداد السياسي والديني الذي كان قائما، ومن ثمة فالنص له قيمة تاريخية وفلسفية. لكن رغم ذلك ومادام التفكير الفلسفي تفكيرا جدليا ومفتوحا يمكن إغناء النقاش حول إشكالية سلطة المجتمع من خلال استحضار مجموعة من المواقف الفلسفية الأخرى، ففي نفس اتجاه صاحب النص نجد:

أطروحة سيجموند فرويد: الذي يؤكد على أن المجتمع يمارس قهرا خارجيا على الفرد، من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والثقافية، وذلك من أجل قمع دوافعه الغريزة، وخلق سلوكات جيدة وخيرة لديه، وهي العملية التي تتم عبر الصراع النفسي بين مكونات الجهاز النفسي للإنسان الذي يتضمن:

الجانب الغريزي: الهو والجانب الواقعي: الأنا، والجانب الأخلاقي: الأنا الأعلى. فمبدأ الهو: هو تحقيق إشباع اللذة الجنسية " الليبيدو" بعيدا عن متطلبات المجتمع، لكن هذا الأخير يقوم بقمع تلك الغرائز عبر آلية الأنا الأعلى كي تتناسب مع المجتمع الذي يعيش فيه الفرد.  لكن المجتمع من خلال هذه العملية القمعية، يجر الكائن على الاغتراب، ومن ثمة ظهور تشوهات في شخصيته.

أما من ناحية أخرى فنجد التصور الأنثروبولوجي لرالف لنتون 1893_1953م الذي يؤكد على أن المجتمع يعمل على تلبية الحاجات الاجتماعية للفرد ، المأكل الملبس ...الخ، وهي حاجات يتم خلقها من طرف التفاعل مع الغير ولكن تلبية هذه الحاجات ليست إلا مجرد "طُعْمٌ" يقدمه المجتمع ل "اصطياد" الفرد"، بمعنى أن الفرد يحقق حاجاته بطواعية وبدون إكراه، لكن في نفس الوقت يستدمج المعايير والقيم الاجتماعية أو ما يسميه لنتون ب" النماذج الثقافية للمجتمع"، ويعطينا مثال الأكل: وهو حاجة بيولوجية لدى الطفل، لكن في اللحظة التي يتم فيها تلبي هذه الحاجة، فإن الطفل يتعلم أنماط السلوك المقبولة في المجتمع ، وبالتالي تترسخ سلطة المجتمع الثقافية في الفرد بطريقة غير مباشرة.

والفرق بين هذا التصور والتصور الليبرالي لطوكفيل، هو أن سلطة المجتمع، عند لنتون تكون بطريقة طوعية وغير مباشرة، في حين أن سلطة المجتمع لدى طوكفيل تمارس بالقهر والاستبداد.

رابعا: مطلب التركيب

خلاصة التحليل والمناقشة

الرأي الشخصي

سؤال تركيبي مفتوح

       من خلال ما سبق يتبين لنا أن إشكالية سلطة المجتمع، د أفرزت مجموعة م التصورات الفلسفية، فمن جهة يؤكد طوكفيل و فرويد على السلطة القهرية المباشرة للمجتمع على الفرد، ومن جهة أخرى يذهب لنتون إلى سلطة غير مباشرة تمارس على الأفراد بمحض اختيارهم. ومقابل كل هذه التصورات يمكن الخروج بفكرة، مفادها أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج إلى الجماعة لتحقيق حاجاته، لكن هذه الأخيرة تمارس سلطته على الفرد، لذلك فسلطة المجتمع ضرورية لقيام مجتمع متماسك، لكن هذا لا يعني قتل فردية الإنسان وحريته وعدم ترك الفرصة له للتعبير عن ذاته الخاصة، لذلك، يمكن القول بأن المجتمع الديموقراطي الذي يدعو إليه طوكفيل هو الذي يمنح هذه الحرية للفرد. وهو التصور الذي ينسجم مع موقفي من القضية، ما دمت في مجتمع لم يستطع بعد التخلص من نماذجه الثقافية التقليدية، ليصبح مجتمعا حديثا، يبرز فيه الفرد الحر، وفي نفس الوقت يمارس حريته في ظل قوانين وقواعد ومعايير يحتكم إليها الجميع. لذلك نتساءل في الأخير: إن كان المجتمع الذي وصفه الفلاسفة ناقشنا أطروحاتهم هو مجتمع القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فما هو مصير الفرد في ظل مجتمع التقنية والعلم في القرن الواحد والعشرين؟