الأحد، 19 فبراير 2023

تقديم إشكالي لمجزوءة الوضع البشري

الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا آداب 

الثانية بكالوريا علوم إنسانية 



تأطير إشكالي لمجزوءة الوضع البشري :

 

 

الوضعية المشكلة:

"دلف إلى الغرفة رجل صغير نحيل وصلب العود يرتدي الثوب الداكن والبلغة، وهما اللباس التقليدي للفلاح الصعيدي وعندما قالت له المرأتان إن هذا هو إدوارد الذي كنت تنتظر رؤيته بفارغ الصبر تراجع مطئطئا رأسه :" لا ! كان إدوارد طويلا ويضع نظارتين. هذا ليس إدوارد". وبسرعة تعرفت إلى أحمد حامد، الفراش الذي عمل عندنا خلال ما يقارب ثلاثة عقود، وهو رجل ساخر ومتزمت في صدقه وإخلاصه. وكنا جميعا نعتبره بمنزلة فرد من أفراد العائلة. حاولت إقناعه بأني أنا إدوارد حقا، ولكن بدلني المرض والعمر بعد غياب ثماني وثلاثين سنة. فجأة وقع كل منا في حضن الآخر نجهش بدموع الفرح للقاء المتجدد والحزن على زمن لن يستعاد... روى لي أحمد كيف كان يحملني على كتفيه وعن أحاديثنا في المطبخ وكيف كانت العائلة تحتفل بعيد الميلاد ورأس السنة وما إلى ذلك. فصعقت كيف أنه لا يتذكر كل واحد منا السبعة-الوالدين والأبناء الخمسة- فحسب وإنما يتذكر أيضا كل واحد من عمومتي وعماتي وأبناء عمومتي وجدتي بالإضافة إلى البعض من أصدقاء العائلة. وبعد أن انتهى العجوز، المتقاعد في بلدة إدفو البعيدة قرب أسوان، من تفريغ الماضي الذي في داخله، أدركت مجددا مدى هشاشة وقيمة وزوالية التاريخ والظروف التي تمضي إلى غير رجعة ولاتجد من يستعيدها ويدونها، اللهم إلا على شكل ذكريات عرضية أو أحاديث متقطعة."

إدوارد سعيد، خارج المكان: مذكرات، ترجمة فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت 1 ط ،2000، ص21.

 

تحليل الوضعية المشكلة:

نستنتج من خلال هذا المقطع من السيرة الذاتية للمفكر الأمريكي من أصول فلسطينية إدوارد سعيد، حديثه عن تذكره لأحداث مرت عليها عشرات السنين، حينما يعيد معايشتها مع خادم بسيط وكيف يسترجع معه الماضي الذي انقضى ولكن المحفوظ في الذاكرة  وكيف يغير الزمن الأشخاص ويحافظون في نفس الوقت على جوهرهم وذكرياتهم. لذلك نتساءل:

كيف يتحدد وجود الإنسان؟ لماذا  يبقى هو هو رغم تغير الجسد؟ ماهي العلاقة الممكنة بينه وبين

 الآخرين؟ وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بدون تاريخ؟

الوضع الإنساني: 

                        

   إدوارد: الشخص

   أحمد : ( الآخر/ الغير)

  علاقة الماضي بالحاضر : ( الزمن/التاريخ)

نستنتج إذن أن تجربة الإنسان مرتبطة ومتداخلة بالذوات الأخرى والتجربة الإنسانية عموما.

تساؤلات عامة حول الوضع الإنساني:

1- ما الذي يجعل الذات تتشابه مع الذوات الأخرى؟ ما هو الثابت وما هو المتغير في الإنسان/الذات/ الشخص؟

2- ماهي محددات الوضع البشري؟ كيف تتداخل مفاهيم الشخص والغير والتاريخ؟

تأطير إشكالي:

الوضع البشري " مجموعة الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان داخل العالم."

إنها أولا: حدود أو شروط قبلية، بمعنى أن الإنسان- إذ يقدف به إلى العالم- يجدها أمامه سابقة عليه لا مفر منها. وعليه أن يمارس انسانيته من داخلها، انطلاقا منها أو بالرغم منها."

وهي ثانيا: " حدود أساسية. لأن الحدود والشروط لا متناهية (فيزيائية، بيولوجية، سياسية، أخلاقية، ذاتية...) لكن يمكننا دائما رد هذه الشروط واختزالها إل عدد بسيط من الحدود الأساسية في مقرر الفلسفة              

البعد الذاتي: هو موضوع درس الشخص، يشير إلى الإنسان منظورا إليه في إنيته (جسم، وعي، عنصر طبيعي...)[1]

البعد العلائقي: " نتناول البنية أو النسيج الأساسي لكل هذه المكونات وهي علاقة أنا- أنت قبل أن يكون الآخر شريكا اجتماعيا (حاكم، محكوم، مالك سلعة...) فهو يشبهني ويختلف عني.

البعد التاريخي: هو موضوع درس التاريخ يتناول الإنسان ككائن تاريخي له تاريخ فردي يتقاطع مع التاريخ العام للجماعة التي ينتمي

 إليها ومحكوم بذاكرة جماعية تؤسس لهويته الثقافية. 

مفاهيم ومحاور المجزوءة:

مفهوم الشخص : 

المحور الأول: الهوية الشخصية

المحور الثاني: قيمة الشخص 

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

مفهوم الغير:

المحور الأول: وجود الغير

المحور الثاني: معرفة الغير 

المحور الثاني: العلاقة مع الغير 

مفهوم التاريخ:

المحور الأول: المعرفة التاريخية 

المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم

المحور الثالث: دور الإنسان في التاريخ 


[1] شفيق كريكر


الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022

دروس الفلسفة: نموذج تحليل نص فلسفي ( مفهوم الشخص)



الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا جميع الشعب

المجزوءة: الوضع البشري

المفهوم: الشخص



" تكمن التربية في عملية التنشئة الاجتماعية الممنهجة، التي يتلقاها الجيل الشاب. يمكن القول، إنه داخل كل واحد منا، يوجد كائنين لا يمكن الفصل بينهما إلا على المستوى التجريدي. أحدهما يتكون من كل الحالات الذهنية التي لا ترجع إلا إلى ذواتنا وإلى الأحداث المتعلقة بحياتنا الشخصية: وهذا ما نسميه بالكائن الفردي. والآخر هو عبارة عن نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة، بل بالجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، تلك هي المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها. ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون الكائن الاجتماعي، ودور التربية هو تكوين هذا الكائن بداخلنا."

Emile Durkheim : Education et sociologie, Librairie Fant 7, 2006. P 17 -19 – 20.

                      حلل (ي) النص وناقشه (يه).

 

مطلب الفهم:

 وجب تأطير النص ضمن إطاره العام المتعلق بمجزوءة الوضع البشري، ثم مجاله الخاص المرتبط بمفهوم الشخص ثم تحديد القضية الأساسية التي يعالجها وهي قضية الهوية الشخصية، وتضمين ذلك في شكل تمهيد مناسب يتضمن مفارقة. أي لابد أن يعطي التمهيد المبررات الكافية لطرح الإشكالية تعطي المبرر الكافي لطرح الإشكالية المتعلقة بالهوية الشخصية.

 نموذج مقترح لكتابة المقدمة

           من خلال القراءة الأولية للنص، وانطلاقا من بعض المفاهيم الواردة فيه (الكائن الفردي، الجماعة، الكائن الاجتماعي...)، ستبين لنا بأنه يتأطر ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة الوضع البشري، ويقصد بالوضع البشري مختلف المحددات التي الأساسية الفردية والغيرية والزمانية، التي تحدد وتحصر الوجود الإنساني في العالم، ويتسم هذا الوضع بالتداخل والتركيب بين كل هذه المحددات، ويحيل النص على مفهوم الشخص بما هو ذات يتجاذبها بدورها -كما توحي لنا القراءة الأولى للنص- مستويات فردية وجماعية. بمعنى أن الهوية الشخصية هي التي تجعل الذات تحافظ على وحدتها لكن التي تتحول على حسب الظروف. وهي الإشكالية التي يقاربها النص، وهي من القضايا الفلسفية التي استرعت اهتمام الفلاسفة والمفكرين والعلماء على مر العصور، لاستكناه حقيقة الإنسان. ومن خلال ما سبق يمكن أن نطرح إشكالية النص على الشكل التالي: ما الذي يحدد هوية الشخص؟ هل تتحدد هويته بشكل داخلي فردي؟ أم تتحدد بشكل اجتماعي؟ بمعنى هل أن الهوية الشخصية تنطلق من الفرد نفسه وأحاسيسه الداخلية وتركيبته النفسية والذهنية؟ ـأم أن الهوية الشخصية تنطلق من المجتمع عبر مختلف المعايير والقيم والعادات لتشكل الهوية الشخصية؟

وإلى حد يمكن القول إن التفاعل بين الفردي والجماعي هو المحدد الأساس لهذه الهوية؟

 مطلب التحليل: 5

 في التحليل يجب استخراج الأطروحة الرئيسية التي تنتظم حولها أفكار ومفاهيم النص والعلاقات القائمة بينها، ثم استخراج الحجج والبراهين التي يدافع بها النص عن هذه الأطروحة.يمكن وضع خلاصة جزئية في نهاية التحليل وسؤال للانتقال نحو مطلب المناقشة. 

 نموذج مقترح لكتابة التحليل:

         يؤكد صاحب النص أن الهوية الشخصية للفرد تتكون من مستووين أساسيين، مستوى داخلي، هو الذي يتشكل من الحياة الذهنية للفرد، يسمى هذا الجانب بالكائن الفردي، وجانب آخر يتكون من الأفكار والأحاسيس والعادات التي نتلقاها من المجتمع وهي مجموع المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية ويسمى هذا الجانب بالكائن الاجتماعي، وتتكون هذه الهوية المزدوجة من خلال عملية التربية والتنشئة الاجتماعية.

       بالعودة لأفكار النص نجد أن صاحبه ينطلق في الفقرة الأولى التي تتحدد بين "بداية النص إلى " الكائن الفردي." ويؤكد فيها أن التنشئة الاجتماعية تحددها التربية، مؤكدا أن داخل كل فرد منا هوية فردية داخلية تتكون من مكونين أساسيين: الأول يسميه بالمكون الفردي، ويتشكل من خلال الحالات الذهنية المكونة للحياة الشخصية للفرد، وتسمى ب" الكائن الفردي."

بعد ذلك ينطلق في الفقرة الثانية التي تتحدد بين قوله:" والآخر هو عبارة عن نسق..."، إلى نهاية النص. ويؤكد فيه على الجانب الآخر الذي يكون الهوية الشخصية، وهو الجماعة التي ينتمي إليها الفرد والتي تعمل على تلقينه -عبر التنشئة الاجتماعية والتربية- مختلف المعتقدات الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية. ويسمى هذا الجانب في الهوية بالكائن الاجتماعي. إذن الهوية حسب صاحب النص مزدوجة، لديها جانب داخلي نفسي وجانب خارجي اجتماعي.

إن التفكير الفلسفي هو بناء للمفاهيم الفلسفية بامتياز، لذلك فهذا النص يتضمن مجموعة المفاهيم ذات الصلة بمجال علم الاجتماع تحديدا، أول هذه المفاهيم، نجد مفهوم الهوية الذي لم يذكره إلا بشكل ضمني من خلال عدة مؤشرات لفظية ك" الداخل و الذات.."، ويقصد بها حسب النص:" ذلك الكائن المزدوج الأوجه الذي يوجد داخل كل واحد منا ويشكل الأساس وجوهر شخصيتنا، والذي لا يمكن حسب النص فصلهما، وهذين الجانبين، هو الجانب النفسي الداخلي، والجانب الاجتماعي الذي نتلقاه عبر التنشئة الاجتماعية."

نجد كذلك مفهوم التنشئة الاجتماعية: ويعرفه النص "كعملية يتم من خلال نقل مختلف العادات والتقاليد والعقائد إلى الفرد من خلال الجماعة التي ينتمي إليها عبر التربية." نجد كذلك مفهوم الجماعة: ويقصد بها "مجموع الأفراد المكونين للمجتمع، والذين تربط بينهم روابط اجتماعية مشتركة." ثم كذلك مفهوم الكائن الفردي، ويعرفه النص، بأنه: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، لا يتعلق الأمر بشخصيتنا الخاصة." وأخيرا مفهوم الكائن الاجتماعي: وهو: " نسق من الأفكار، والأحاسيس والعادات التي تعبر عن نفسها داخلنا، التي تعبر عن الجماعة أو المجموعات المختلفة التي ننتمي إليها، وتتشكل من مختلف المعتقدات الدينية، والمعتقدات والممارسات الأخلاقية، والعادات الوطنية أو المهنية، والآراء الجماعية بمختلف أنواعها."

إن العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم هي علاقة ترابط وانسجام لأن الهوية الشخصية تتحدد وفق بعد داخلي فردي مرتبط بالحالات الذهنية للفرد، وبعد آخر تكونه الجماعة التي ينتمي إليها الشخص، عبر التربية والتنشئة الاجتماعية.

 إن العلاقة هذه المفاهيم هي ما يؤسس لأطروحة النص المرتبطة التي تؤكد على البعد المزدوج للهوية.

إذن كيف يقدم النص أطروحته وكيف يدافع عنها:

لأجل تلك الغاية استعان النص بمجموعة من الأساليب الحجاجية: إذ ينطلق من حجة العرض، إذ يعرض أطروحته في بداية النص ويؤكد عليها، من خلال قوله: " تكمن التربية.."، ثم ينفي بعدها البعد الواحد للهوية لأن ذلك في نظره غير ممكن إلا في المستوى التجريدي، حينما يقول: " لا يمكن الفصل بينهما إلا...". ثم ينطلق لشرح وتفسير هذين البعدين: من خلال قوله: " أحدهما....." وقوله كذلك: " الأخر...". موظفا في الآن ذاته حجة التعريف حينما يعرف هذه الأبعاد من خلال قوله مثلا: " الآخر هو نسق من الأفكار...". كما يستعين بمجموعة من الأمثلة: " المعتقدات، الممارسات الأخلاقية، العادات الوطنية." وفي الأخير يستعين بحجة الاستنتاج لأنه استنتج أن ما يكون الهوية هو التربية من خلال قوله: " ومجموع هذه الأشياء هو الذي يكون التربية". ويمكن كذلك القول بأنه استعان بحجة القياس المنطقي، لأنه انقل من مقدمة واضحة بذاتها، مستعينا بمختلف الاستدلالات المنطقية للوصول للنتيجة النهائية.

يتبين لنا إذن أن صاحب النص، قد دافع عن أطروحته القائلة بدور التنشئة الاجتماعية في تكوين الهوية الشخصية، التي يربطها بالبعد الذاتي والبعد الاجتماعي.

مطلب المناقشة:

يُنتظر من التلميذ في هذه المرحلة أن يؤكد على أهمية الأطروحة الفلسفية من الناحية الداخلية للنص والناحية التاريخية. ويبين حدود الأطروحة من خلال ربطها وفتح النقاش بينها وبين تصورات فلسفية معارضة أو مؤيدة.

  نموذج مقترح لكتابة المناقشة:

     يتبين لنا بعد عملية التحليل أن النص متماسك من الناحية المنطقية، وقد وظف صاحبة عدة مفاهيمية ومقاربة اجتماعية، لأن دوركهايم من بين المؤسسين للاتجاه الوضعي في علم الاجتماع، وبالتالي فهو يعطي الأهمية للعوامل الاجتماعية في تكوين الهوية. لكن ألا يمكن القول بأن الأساس المزدوج للهوية هو النظر إلى الذات الإنسانية بشكل انفصامي أليس هناك جوهرا واحدا هو المؤسس لهذه الهوية؟

للإجابة عن هذا التساؤل نستحضر التصورات التي نادت بالبعد الواحد للهوية، مثل المقاربة الفلسفية التي خلال القرن 17 التي دعا إليها الفيلسوف ديكارت، الذي يؤكد أن ما يؤسس الهوية هو الفكر، باعتباره نورا فطريا يحافظ على وحدة الذات وثباتها ووجودها، رغم تغير حالاتها الفكرية والنفسية. وهو ما تعبر عنه قولة ديكارت: " أنا أفكر إذن أنا موجود." والتصور الماهوي الآخر الذي جاء كرد فعل على الاتجاه العقلاني ونقصد به الاتجاه التجريبي الذي يعتبر جون لوك أهم رموزه. والذي يربط الهوية بالجانب الشعوري، لأنه لا يمكن تصور فكرا لا يمرر عبر الحس، لأنه لا وجود لأي فكر خالص وفطري كما يدعي ديكارت، مادام الشخص يولد وعقله صفحة بيضاء نملأها بالتجربة. يقول جون لوك في كتابه مقالة في الفهم البشري: " لا يمكن أن ندرك إدراكا فكريا دون أن نشعر أننا ندرك إدراكا فكريا."

وفي اتجاه آخر نستحضر المقاربة النفسية لسيجموند فرويد الذي يقترب قليلا من أطروحة النص، لأن يركز على الجانب اللاشعوري في الفرد، من خلال تقسيمه الشهير للجهاز النفسي، إلى جانب واقعي هو " الأنا"، وجانب أخلاقي هو " الأنا الأعلى"، وجانب غريزي "هو " الهو". وفي نظره الصراع بين هذه المكونات هو ما يحدد الهوية الفردية.

يتبين لنا إذن أن المقاربات التي قاربت إشكال الهوية متعددة ومختلفة بين مقاربة اجتماعية ومقاربة فلسفية ومقاربة نفسية.

مطلب التركيب:

يُنتظر في هذه اللحظة أن يستنتج التلميذ نتائج وخلاصات حول ماتم تحليله ومناقشته. والإشارة إلى أهمية الإشكالية، وأخيرا مع الإدلاء برأيه الشخصي حول الموضوع والتأكيد على الطابع النسبي للفكر الفلسفي

       من خلال تحليلنا لهذا النص يتبين لنا أن إشكالية الهوية الشخصية قد شكل محل تضارب للمواقف بين الفلاسفة والعلماء. نظرا لتعقد الموضوع وتعدد أوجهه. لذلك فقد رأينا أن النص يؤكد على دور التنشئة الاجتماعية في تأسيس الهوية وفق مقاربة سوسيولوجية. أما المقاربة الفلسفية الماهوية فقد بحثت عن الجوهر فالعقل عند العقلانيين هو أساس الهوية، أما التجريبيين فيربطونه بالتجربة الحسية، أما المقاربة النفسية فقد ركزت على دور العوامل النفسية اللاشعورية في تأسيس هذه الهوية. وفي ظل تضارب هذه المواقف فإن ذلك ليس إلا دليلا على تعقد الموضوع وعمقه، وهذا لا ينقص من قيمة الفكر الفلسفي في شيء بل يدل على أن لكل موقف ما يبرره من الناحية النظرية والتاريخية. وإذن نقر بهذه الأهمية فإننا نؤكد أن الهوية الإنسانية لا يمكن حصرها في بعد واحد فقط، مادام الإنسان كائنا متعدد الأبعاد، لذلك فالهوية هي كذلك متعددة الأبعاد بين ما هو إجتماعي ونفسي وشعوري. وفي الأخير وتأكيدا للطابع المنفتح للفلسفة نتساءل: إن اختلف الفلاسفة حول الشخص فهل يتفقون حول قيمته؟


 الجوانب الشكلية:

يتم التركيز فيها على 3 شروط أساسية:

سلامة اللغة والخط 1ن

التماسك المنطقي للإنشاء1ن

نظافة الورقة وتنظيمها 1ن





الجمعة، 17 ديسمبر 2021

تصحيح فرض محروس في الفلسفة رقم 1 الدورة الأولى ( الهوية الشخصية)

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا

إنجاز: التلميذة مريم / علوم فيزيائية (بتصرف)




النص:

"إن المعيار الغالب للحكم على الشخص هو هو، كما يرى الحس العام، هو استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وهو المعيار نفسه الذي نستخدمه للحكم على أن الدراجات الهوائية أو غيرها هي نفسها دون سواها. أما إذا تحدثنا بخلاف ذلك، فإن حديثنا سيكون على سبيل الاستعارة (كأن أقول مثلا أنا إنسان جديد)، فلو صَحً هذا القول لما كان بوسعي التفوه به. وحقيقة أننا نشعر أن هويتنا الجسدية عبر الزمن أمر معقد وأنها تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. يجب ألا يُثير دهشتنا على الإطلاق كون الذاكرة نفسها تتصل بالضرورة بأدمغتنا وبأجسادنا. وإذا كانت ذكرى الماضي قد سببها ما حدث لنا، أي ما حدث لأجسادنا وأدمغتنا، فمن غير المدهش أن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن يجب في بعض الأحيان على الأقل، أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار المتاب الجديد المتحدة، ليبيا،2007.  ص 108- 109(بتصرف)

 

حلل (ي) النص وناقشه (يه).

 أولا- مطلب الفهم:      

       منذ ظهور الفلسفة، اعتبر الكائن البشري أحد أهم المواضيع  التي أثارت اهتمامها، وأحاطت به من مختلف الأبعاد سياسية، اجتماعية، أخلاقية...، ويمكن النظر إلى هذا النص الماثل أمام ناظرينا في إطار فلسفي عام من خلال المفاهيم المتضمنة فيه ( الشخص، الحس، الإنسان، الهوية، الذاكرة...) وهو إطار " مجزوءة الوضع البشري"، ويقصد به الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان في الوجود، ويندرج النص تحديدا ضمن مفهوم الشخص ويقصد به الذات الواعية والمفكرة القادرة على التمييز بين الخير والشر والصدق والكذب، والقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها . وقد حظي هذا المفهوم باهتمام الكثير من المفكرين والفلاسفة وبالتمعن في النص، نجده يسلط الضوء على: إشكالية الهوية الشخصية، وتعني بقاء الشخص ذاتا واحدة رغم التطورات التي تطرأ عليها في مختلف أوضاع وجودها. كما يتجاذب هذا المفهوم مجموعة من المفارقات يمكن بسطها كالتالي: الثبات/ التغير، العقل/ الحس... وقد أسفر تدارس هذه القضية عن وجهات نظر اختلفت وتباينت باختلاف المذاهب والاتجاهات التي ينتمي إليها كل مفكر على حدة، وأمام الاختلاف بين هذه المقاربات يتجلى لنا الطابع المعقد لطابع الهوية مما يجعلنا نطرح العديد من الإشكاليات من قبيل: على أي مستوى تتحدد الهوية الشخصية؟ ويمكن طرح تساؤلات فرعية كالتالي: ما دور الجسد والذاكرة في تشكيل الهوية الشخصية؟ وهل تتحدد في الفكر، أم الحس، أم اللاشعور؟

ثانيا- مطلب التحليل:

    جوابا على الإشكال المطروح أعلاه، تقدم ميري ورنوك صاحبة النص أطروحة فلسفية مفادها أن الهوية تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. حيث انطلقت ميري في النص أولا من فكرة تنفي فيها التصور الحسي الذي يحكم على الشخص من خلال استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وانتقدت هذا التصور باعتباره يشبه الإنسان بأي شيء مادي آخر كالدراجات الهوائية، ثم تطرقت بعدها إلى دور الذاكرة في تحديد الهوية من خلال الأحداث التي عشناها في الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن النص يرتكز على جملة من المفاهيم الفلسفية يمكن إيرادها كالتالي:

الشخص: ذات واعية قادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ ولها هوية، وتتشكل هويتها من خلال الذاكرة.

الإنسان: كائن عاقل، يتميز بامتلاكه لجسد وذاكرة هي ما يحفظ هويته. كما نجد مفهوم الهوية ويقصد به حسب النص: بقاء الشخص هو هو، رغم تعدد صفاته. كما نجد مفهوم الذاكرة: ملكة تتصل بالضرورة بأدمغتنا وأجسادنا، وهي قادرة على استحضار أحداث الماضي.

وانطلاقا مما سبق يتضح أن العلاقة التي تربط بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وانسجام، حيث إن هوية الإنسان عبر الزمان تتحدد في الذاكرة التي تعزز معرفتنا الداخلية بماضينا. لقد وظفت صاحبة النص بنية مفاهيمية أساسية من أجل الدفاع عن أطروحة النص نذكر منها:

التأكيد: تؤكد على استمرارية الأجساد عبر الزمان، يتأكد من خلال معيار الذاكرة وذلك بقولها:" إن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن ... أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

المثال: من خلال ذكر الأمثلة من خلال قولها مثلا:" كأن أقول مثلا ن إنسان جديد." " الدراجات الهوائية".

الشرط: حيث أبرزت أن ذكرى الماضي تؤكد استمرارية الأجساد عبر الزمن من خلال قولها: " وإذا كانت ذكرى الماضي...فمن غير المدهش."

ثالثا- مطلب المناقشة:

      إن ما يضفي على أطروحة صاحبة النص قيمة فلسفية هو تأكيدها على أن الهوية الشخصية عبر الزمن، أساسها هو الذاكرة، ويعتبر هذا التصور تجاوزا لفلسفات الأنا التي تؤسس الهوية الشخصية بشكل منغلق. كما يعتبر النص قريبا من التصورات العلمية التي تفسر الوعي والهوية وما يرتبط بهما بالعمليات العصبية والدماغية وتنفي عنها كل أساس ميتافزيقي.

وعكس ما ذهب إليه النص نستحضر تصور الفيلسوف رونيه ديكارت (1596-1650م) الذي يؤسس الأنا على التفكير العقلاني باعتباره " شيئا مفكرا"، أي أن ما يجعل الشخص مطابقا لنفسه هو مطابقته لنفسه باستمرار رغم تغير حالاته لعقلية، لأن الإنسان هو كائن مفكر وعاقل.

ومن جهة أخرى نجد تصور الفيلسوف جون لوك ( 1632- 1704م)  الذي يؤكد على أن الهوية الشخصية تتحدد من خلال التجربة الحسية، إذ أن عقل الإنسان يولد وهو صفحة بيضاء خالية من كل معرفة ومن خلال التجارب الحسية التي يمر بها الإنسان في العالم، يكتسب هويته الشخصية أي أن الحواس هي التي تمد العقل بالمعارف والأفكار.

ومقابل التصورات الفلسفية الكلاسيكية المتضاربة بين العقلانيين والتجريبيين، فقد وجه عالم الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد ( 1856-1939م)ضربة لنظرية الهوية الشفافة و الخالصة التي تصورها الفلاسفة الذين ذكرناهم سابقا، واقترح مقابل ذلك مفهوم اللاوعي، الذي يفترض هوية دينامية قائمة على الصراع بين مكونات اللاشعور سواء في النظرية الموضعية الأولى لفرويد (الوعي، ماقبل الوعي واللاوعي)، أو في نظريته الموضعية الثانية (الأنا و الأنا الأعلى والهو).

رابعا- مطلب التركيب:

        نخلص من خلال ما سبق أن إشكالية الهوية الشخصية، قد أفرزت مجموعة من المواقف والتصورات بين من اعتبر أن الهوية الشخصية تتحدد في الذاكرة ( ميري ورنوك)، وبين من ربطها بالفكر العقلاني كما ذهب إلى ذلك التصور العقلاني لديكارت، أما التصور النفسي لفرويد فيربطها باللاشعور. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فالفكر الفلسفي بطبعه فكر متعدد ومتضارب لكن هذا التضارب الحاصل بين هذه المواقف يؤكد الطابع النسبي للفكر والحقيقة على حد سواء، إذن فكل هذه المواقف لا تعبر إلا عن تطور التفكير في المسألة عبر تاريخ الفلسفة، لأن كل موقف رهين بسياقه الفلسفي والتاريخي الخاص، وفي الأخير نتساءل: كيف تتحدد قيمة الشخص؟