الفئة
المستهدفة: 2 باكالوريا
إنجاز:
التلميذة فاطمة الزهراء القافز ( 2 علوم إنسانية)
هل عنف الدولـــــــــــــــــة مشروع ؟
أولا: مطلب الفهم
إن انتقال الانسان من حالة الطبيعة التي تتميز بالعنف والوحشية والهمجية،
إلى حالة المجتمع الحضري المنتج للثقافة، كان ولابد من ايجاد وسيلة لضمان الأمن
والسلم داخل هذه المجتمعات، فكانت الدولة بذلك هي الخيار الأنسب، ويأتي السؤال قيد
التحليل والمناقشة ليضعنا ضمن المجال الاشكالي العام لمجزوءة السياسة، تحديدا
مفهوم الدولة باعتبارها تجمعا سياسيا على أرض محددة بهدف حماية النظام عبر مجموعة
من المؤسسات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. والسؤال الماثل أمامنا يعالج
بالتحديد اشكالية الدولة بين الحق والعنف، الشيء الذي يجعلنا نطرح عدة اشكالات
نصوغها كالآتي:
هل تتأسس
الدولة على الحق أم على العنف؟ و هل عنف الدولة مشروع؟ ومتى يعتبر عنفها مشروعا؟
ثانيا: مطلب التحليل
قبل شروعنا في تحليل ومناقشة منطوق هذا
السؤال، لابد من من الكشف أولا عن معاني
ودلالات الألفاظ التي يتضمنها، إذ نجد أنه جاء بصيغة الاستفهام "هل"
وهي أداة غالبا ما تقرن بين قضيتين اثنتين أو اجابتين مختلفتين فتحتمل بذلك الصدق
أو الكذب. كما أنها تحيل على أطروحة فلسفية مصرح بها، وأخرى ضمنية، ومن بين
المفاهيم التي يتضمنها السؤال نجد مفهوم "العنف" ويقصد به "
الاستعمال المفرط للقوة تجاه الاخر أو العالم الخارجي بنية اخضاعه لإرادة
الذات "، كما نجد أيضا مفهوم "الدولة" وهي "تنظيم
سياسي لجماعة ما على أرض محددة بهدف حماية القانون وتأمين النظام وذلك عبر مجموعة
من المؤسسات الادارية والاقتصادية والاجتماعية. كما يحضر مفهوم المشروعية ويقصد به
" الحالة التي تكون فيها الحقوق الانسانية الأساسية هي المحدد الأول للعلاقات
الاجتماعية والسياسية والأسس التي تقوم عليها الدساتير والقوانين. والعلاقة ابين
هذه المفاهيم هي علاقة تلازم إن أخذناها من زاوية التأكيد على مشروعية
العنف، وفي حالة العكس باعتبار العنف لا يجوز المشروعية فان العلاقة تصير علاقة تضارب.
إن
السؤال الذي بين أيدينا يحيل على أطروحة فلسفية مفادها أن الدولة من حقها أن
تمارس العنف المتسم بسمات الشرعية، وذلك بهدف حماية النظام، وفقا لقوانين وأنظمة
محددة. فلا يمكن إنكار أن جميع الدول تقوم وتتأسس على العنف، وأن الدولة هي
الجهاز الوحيد الذي يحتكر جميع وسائل العنف والقوة، وهذه هي الخاصية التي تميزها.
ونجد لهذه الأطروحة حضورا قويا لدى السوسيولوجي الألماني "ماكس فيبر
Max
Weber (1864-1920) الذي يؤكد بدوره على أن
الدولة من حقها اللجوء إلى العنف الشرعي، بهدف
حماية النظام والأمن داخل المجتمع، وصد كل السلوكات التي من شأنها أن تهدد
النظام العام، فلا يمكننا أن نغفل حقيقة أن الدول كانت ولازالت تتأسس على العنف
الشرعي، غير أنه ليس جميع الدول من حقها ممارسة العنف، فالدول الدكتاتورية
الاستبدادية عندما تمارس العنف يكون عنفها غير مشروع ،لأنه يكشف عن ضعفها وفقدانها
للشرعية. عكس الدول الديموقراطية والتي عندما تمارس العنف يكون ذلك بشكل مشروع
لأنها تعطي بالمقابل للأفراد حقوقهم وتضمن حرياتهم، لذلك فالدول الدكتاتورية لا تستطيع
المضي قدما ومصيرها الانهيار والزوال، لذلك نجدها أنها في حالة قيام المنظمات أو
الأفراد بتهديد أمنها، فإن من الواجب عليها التصدي لهم عبر استعمال العنف المشروع
وذلك عبر مجموعة من الوسائل مثلا: الجيش- الشرطة- القضاء- السجن...الخ. فهل إذن
يمكن للدولة أن تستغني عن العنف؟ لايمكنها ذلك بطبيعة الحال، لأنها إن أعطت الحرية
المطلقة للأفراد فلامحالة ستعود الأنانية، وتعود معها حالة الطبيعة، حيث القوي
يأكل الضعيف، يقول فيبر في هذا الصدد :
" إن
وجود الإنسان داخل المجتمع وجود يحميه، عنف الدولة المتسم بسمات العنف الشرعي."
إن لموقف
فيبر ما يبرره من الناحية السوسيولوجية، التي تنظر للمجتمع كمجال للصراع بكل موضوعية،
وبدون أي رهان أخلاقي. وهو ما يعطي لهذا الطرح أهميته وقيمته في مجال علم الاجتماع
السياسي والفكر الفلسفي عموما، إلا أنه لا توجد أطروحة إلا ولها هفواتها وحدودها. فإلى
أي حد يمكن اعتبار عنف الدولة مشروعا؟ هل فعلا هو السبيل الوحيد لتأمين النظام؟
ثالثا: مطلب المناقشة
بعد تحليلنا لهذا السؤال نقوم
باستحضار مجموعة من الفلاسفة حيث نجد الفيلسوف والمفكر المغربي عبد الله العروي
الذي يؤكد على أن الدولة لابد لها من عنصرين أساسيين وهما الأجهزة :" الادارة، الحكومة،
البرلمان..."وكذا الأدلوجة وهي الفكرة الذهنية التي تجعل المواطن يقتنع بفكرة
الدولة، لكي تحقق هذه الأخيرة مشروعيتها، والدول القائمة في المجتمعات العربية هي
دول فاقدة للشرعية والاجماع، إنها دول القهر والعنف، وفي الاتجاه المعاكس لفيبر نجد جاكلين روس والتي تعتبر أن دولة الحق هي من
تتمسك بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف
والتخويف وتمثل دولة الحق نموذجا للدولة المعاصرة، والتي حددتها بقولها
" إنها دولة فيها حق وقانون يخضعان معا لمبد احترام الشخص، وهي صيغة قانونية
تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الانسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة
والتخويف." فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة".
رابعا: مطلب التركيب
لقد مكننا تحليل ومناقشة اشكالية الدولة بين
الحق والعنف إل الخلاص بمدى صعوبتها حيث أن المواقف تعددت واختلفت إلى حد التناقض،
بين من يرى على أن الدولة من حقها أن تمارس العنف المشروع، وبين من يرى على أن
الدولة يجب أن تتأسس على الحق . ومن وجهة نظرنا فلا يمكن أخذ موقف دون الاخر
لتكوين تصور واضح حول الاشكالية، فلكل موقف مايبرره من الناحية الفلسفية،
والخلفيات النظرية التي ينطلق منها كل فيلسوف، لذلك يمكن القول اجمالا بأن الدولة
من حقها أن تمارس العنف المشروع، لكن من واجبها بالمقابل ضمان حقوق جميع المواطنين
أولا. وفي الأخير يمكن أن نتساءل: ماسبب العنف في التاريخ؟ هل الدولة أم
الأفراد؟