vendredi 17 décembre 2021

تصحيح فرض محروس في الفلسفة رقم 1 الدورة الأولى ( الهوية الشخصية)

مادة الفلسفة

الفئة المستهدفة: 2 باكالوريا

إنجاز: التلميذة مريم / علوم فيزيائية (بتصرف)




النص:

"إن المعيار الغالب للحكم على الشخص هو هو، كما يرى الحس العام، هو استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وهو المعيار نفسه الذي نستخدمه للحكم على أن الدراجات الهوائية أو غيرها هي نفسها دون سواها. أما إذا تحدثنا بخلاف ذلك، فإن حديثنا سيكون على سبيل الاستعارة (كأن أقول مثلا أنا إنسان جديد)، فلو صَحً هذا القول لما كان بوسعي التفوه به. وحقيقة أننا نشعر أن هويتنا الجسدية عبر الزمن أمر معقد وأنها تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. يجب ألا يُثير دهشتنا على الإطلاق كون الذاكرة نفسها تتصل بالضرورة بأدمغتنا وبأجسادنا. وإذا كانت ذكرى الماضي قد سببها ما حدث لنا، أي ما حدث لأجسادنا وأدمغتنا، فمن غير المدهش أن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن يجب في بعض الأحيان على الأقل، أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار المتاب الجديد المتحدة، ليبيا،2007.  ص 108- 109(بتصرف)

 

حلل (ي) النص وناقشه (يه).

 أولا- مطلب الفهم:      

       منذ ظهور الفلسفة، اعتبر الكائن البشري أحد أهم المواضيع  التي أثارت اهتمامها، وأحاطت به من مختلف الأبعاد سياسية، اجتماعية، أخلاقية...، ويمكن النظر إلى هذا النص الماثل أمام ناظرينا في إطار فلسفي عام من خلال المفاهيم المتضمنة فيه ( الشخص، الحس، الإنسان، الهوية، الذاكرة...) وهو إطار " مجزوءة الوضع البشري"، ويقصد به الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان في الوجود، ويندرج النص تحديدا ضمن مفهوم الشخص ويقصد به الذات الواعية والمفكرة القادرة على التمييز بين الخير والشر والصدق والكذب، والقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها . وقد حظي هذا المفهوم باهتمام الكثير من المفكرين والفلاسفة وبالتمعن في النص، نجده يسلط الضوء على: إشكالية الهوية الشخصية، وتعني بقاء الشخص ذاتا واحدة رغم التطورات التي تطرأ عليها في مختلف أوضاع وجودها. كما يتجاذب هذا المفهوم مجموعة من المفارقات يمكن بسطها كالتالي: الثبات/ التغير، العقل/ الحس... وقد أسفر تدارس هذه القضية عن وجهات نظر اختلفت وتباينت باختلاف المذاهب والاتجاهات التي ينتمي إليها كل مفكر على حدة، وأمام الاختلاف بين هذه المقاربات يتجلى لنا الطابع المعقد لطابع الهوية مما يجعلنا نطرح العديد من الإشكاليات من قبيل: على أي مستوى تتحدد الهوية الشخصية؟ ويمكن طرح تساؤلات فرعية كالتالي: ما دور الجسد والذاكرة في تشكيل الهوية الشخصية؟ وهل تتحدد في الفكر، أم الحس، أم اللاشعور؟

ثانيا- مطلب التحليل:

    جوابا على الإشكال المطروح أعلاه، تقدم ميري ورنوك صاحبة النص أطروحة فلسفية مفادها أن الهوية تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. حيث انطلقت ميري في النص أولا من فكرة تنفي فيها التصور الحسي الذي يحكم على الشخص من خلال استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، وانتقدت هذا التصور باعتباره يشبه الإنسان بأي شيء مادي آخر كالدراجات الهوائية، ثم تطرقت بعدها إلى دور الذاكرة في تحديد الهوية من خلال الأحداث التي عشناها في الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن النص يرتكز على جملة من المفاهيم الفلسفية يمكن إيرادها كالتالي:

الشخص: ذات واعية قادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ ولها هوية، وتتشكل هويتها من خلال الذاكرة.

الإنسان: كائن عاقل، يتميز بامتلاكه لجسد وذاكرة هي ما يحفظ هويته. كما نجد مفهوم الهوية ويقصد به حسب النص: بقاء الشخص هو هو، رغم تعدد صفاته. كما نجد مفهوم الذاكرة: ملكة تتصل بالضرورة بأدمغتنا وأجسادنا، وهي قادرة على استحضار أحداث الماضي.

وانطلاقا مما سبق يتضح أن العلاقة التي تربط بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وانسجام، حيث إن هوية الإنسان عبر الزمان تتحدد في الذاكرة التي تعزز معرفتنا الداخلية بماضينا. لقد وظفت صاحبة النص بنية مفاهيمية أساسية من أجل الدفاع عن أطروحة النص نذكر منها:

التأكيد: تؤكد على استمرارية الأجساد عبر الزمان، يتأكد من خلال معيار الذاكرة وذلك بقولها:" إن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن ... أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."

المثال: من خلال ذكر الأمثلة من خلال قولها مثلا:" كأن أقول مثلا ن إنسان جديد." " الدراجات الهوائية".

الشرط: حيث أبرزت أن ذكرى الماضي تؤكد استمرارية الأجساد عبر الزمن من خلال قولها: " وإذا كانت ذكرى الماضي...فمن غير المدهش."

ثالثا- مطلب المناقشة:

      إن ما يضفي على أطروحة صاحبة النص قيمة فلسفية هو تأكيدها على أن الهوية الشخصية عبر الزمن، أساسها هو الذاكرة، ويعتبر هذا التصور تجاوزا لفلسفات الأنا التي تؤسس الهوية الشخصية بشكل منغلق. كما يعتبر النص قريبا من التصورات العلمية التي تفسر الوعي والهوية وما يرتبط بهما بالعمليات العصبية والدماغية وتنفي عنها كل أساس ميتافزيقي.

وعكس ما ذهب إليه النص نستحضر تصور الفيلسوف رونيه ديكارت (1596-1650م) الذي يؤسس الأنا على التفكير العقلاني باعتباره " شيئا مفكرا"، أي أن ما يجعل الشخص مطابقا لنفسه هو مطابقته لنفسه باستمرار رغم تغير حالاته لعقلية، لأن الإنسان هو كائن مفكر وعاقل.

ومن جهة أخرى نجد تصور الفيلسوف جون لوك ( 1632- 1704م)  الذي يؤكد على أن الهوية الشخصية تتحدد من خلال التجربة الحسية، إذ أن عقل الإنسان يولد وهو صفحة بيضاء خالية من كل معرفة ومن خلال التجارب الحسية التي يمر بها الإنسان في العالم، يكتسب هويته الشخصية أي أن الحواس هي التي تمد العقل بالمعارف والأفكار.

ومقابل التصورات الفلسفية الكلاسيكية المتضاربة بين العقلانيين والتجريبيين، فقد وجه عالم الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد ( 1856-1939م)ضربة لنظرية الهوية الشفافة و الخالصة التي تصورها الفلاسفة الذين ذكرناهم سابقا، واقترح مقابل ذلك مفهوم اللاوعي، الذي يفترض هوية دينامية قائمة على الصراع بين مكونات اللاشعور سواء في النظرية الموضعية الأولى لفرويد (الوعي، ماقبل الوعي واللاوعي)، أو في نظريته الموضعية الثانية (الأنا و الأنا الأعلى والهو).

رابعا- مطلب التركيب:

        نخلص من خلال ما سبق أن إشكالية الهوية الشخصية، قد أفرزت مجموعة من المواقف والتصورات بين من اعتبر أن الهوية الشخصية تتحدد في الذاكرة ( ميري ورنوك)، وبين من ربطها بالفكر العقلاني كما ذهب إلى ذلك التصور العقلاني لديكارت، أما التصور النفسي لفرويد فيربطها باللاشعور. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فالفكر الفلسفي بطبعه فكر متعدد ومتضارب لكن هذا التضارب الحاصل بين هذه المواقف يؤكد الطابع النسبي للفكر والحقيقة على حد سواء، إذن فكل هذه المواقف لا تعبر إلا عن تطور التفكير في المسألة عبر تاريخ الفلسفة، لأن كل موقف رهين بسياقه الفلسفي والتاريخي الخاص، وفي الأخير نتساءل: كيف تتحدد قيمة الشخص؟